أيُّهما أسوأ؟ أنْ تعيش كوحش؟ أو تموت كرجلٍ صالح؟: Shutter Island
فيلم “Shutter Island” أو “جزيرة شاتر”، الذي أُنتِج في عام 2010، هو واحد من أروع أفلام الإثارة والغموض، وقد تم اقتباسه من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب “دينيس ليهين”. إنها رواية مليئة بالحبكات والتشويق، لدرجة قد تُصيب القارىء بالدُوار. الفيلم أيضًا يقوم بالمهمّة على أكمل وجه، والفضل يعود للمخرج الكبير “مارتن سكورسيزي” برؤيته الإبداعية، والكاتبة “لايتا كالوغريديس” التي كتبت النص السينمائي بشكل مُحكم جدًّا ومخلص للرواية.
تدور الأحداث حول مارشال يُدعى “تيدي” وشريكه “تشاك”، واللذين يذهبان إلى جزيرة معزولة للتحقيق في قضية اختفاء مريضة من مستشفى الأمراض العقلية. الفيلم يُظهر لنا “تيدي” ومحاولاته اليائسة في العثور على الحقائق.
إنّه خائف، لأنّ ذكريات الماضي تطارده، حين كان محاربًا في الحرب العالمية الثانية، ونحن نعيش معه تلك الذكريات الدموية من خلال مَشاهد الفلاش باك، والتي ستكون لها أهمّية مع تطوّر الأحداث.
نحن نتابع تحرّكات “تيدي” خطوة بخطوة في كل ممر مظلم وفي كل مواجهة خطرة، إلى أن تتشكّل لدينا أجزاء من لغز، ولكننا لا نُدرك ذلك في تلك اللحظة، لانّنا غافلون مثل “تيدي”، ولذلك ستسبّب لنا النهاية صدمة لا تخطر على البال، وبذلك نشعر بروعة الفيلم وقوّته. نحن كمشاهدين نكون مع “تيدي” ونشعر بكل ما يشعر به طوال الوقت، الأمر أشبه بهجوم مسلّح على حواسنا ومشاعرنا، وكم هو شعور غريب ومذهل.
“ليوناردو ديكابريو” قدّم أداءً مدهشًا بشخصية “تيدي”، وكذلك “مارك روفالو” أبدع في أداء شخصية “تشاك”. “بن كينغسلي” أدّى شخصية الطبيب “كاولي” بشكل مميّز، ولا أنسى “ماكس فون سايدو” الذي أبهرنا بإطلالته القصيرة في شخصية الطبيب “نارينغ”. بقية الممثلين، بمن فيهم: “إميلي مورتيمر” بشخصية “ريتشل 1″، و”ميشيل وليامز” بشخصية “دولوريس”، وباتريشيا كلاركسون بشخصية “ريتشل 2″، و”جاكي إيرل هيلي” بشخصية “جورج نويس”، قدّموا أداءً جميلًا.
المستوى الفني للفيلم مبهر من ناحية التصوير والمونتاج وتصميم المواقع والأزياء والمؤثرات الصوتية، وكذلك الموسيقى التصويرية للمبدع “هاورد شور” أضافت شعورًا مرعبًا على امتداد الأحداث. من المؤسف أنّ الفيلم لم يتم تقديره من قِبَل الجوائز السينمائية، وقد يعود السبب إلى توقيت عرضه المبكّر من العام، ممّا أدّى إلى تهميشه ونسيانه مع هيمنة الأفلام في موسم الجوائز بنهاية العام، وبالفعل كانت هناك أفلام قوية طغت عليه مثل فيلم “The King’s Speech” الذي اكتسح جوائز الأوسكار، وأيضًا فيلم “Inception” الذي شارك في بطولته أيضًا “ليوناردو ديكابريو”.
بالرغم من كل ذلك، حقّق الفيلم نجاحًا هائلًا في شبّاك التذاكر في أمريكا والعالم بإيرادات تزيد عن 294 مليون دولار، علمًا بأنّ ميزانية إنتاجه كانت في نحو 80 مليون دولار، كما نال الفيلم إعجاب النقّاد والجمهور، وهو يحتل اليوم مركزًا متقدّمًا في قائمة أفضل 250 فيلمًا في موقع imdb حسب تصويت الجمهور.
هذا الفيلم أنصح بمشاهدته مرّة أخرى بعد المشاهدة الأولى. صدّقوني، المشاهدة الثانية أجمل. كل أجزاء اللغز غير المفهومة في البداية ستتّضح لاحقًأ. “جزيرة شاتر” هو فيلم يعيد صياغة مفهوم الإثارة والغموض. فيلم سيجعلكم تشكّون في سلامة عقلكم. فيلم سيحبس أنفاسكم. فيلم سيترككم مع شخصيته الرئيسية تبحثون عن الإجابات. لا تفوّتوا فرصة مشاهدة هذه التحفة السكورسيزيّة.