مدونات

سوريا ما بعد الأسد: آفاق التحول ومخاطر المستقبل

ديسمبر 11, 2024

سوريا ما بعد الأسد: آفاق التحول ومخاطر المستقبل


الكاتب: عبدالرحمن حسنيوي


قال القائد بإدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية أحمد الشرع: “إن النصر الذي تحقق هو نصر لكل السوريين”. إن سقوط نظام بشار الأسد، الذي حكم سوريا لعقود كامتداد لنظام عائلي استبدادي منذ السبعينيات، يُمثل نقطة تحول كبيرة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، هذا الحدث الذي طال انتظاره من قبل العديد من السوريين، يضع البلاد أمام واقع جديد مليء بالفرص والمخاطر والتحديات، بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية المدمرة، لم يعد السؤال يتعلق فقط بانتهاء حقبة الأسد، بل بما سيأتي بعدها وكيف ستتم إعادة تشكيل الدولة السورية ومستقبلها السياسي والاجتماعي والجيوسياسي.

 

 على المستوى الداخلي، فإن سقوط الأسد لا يعني نهاية الأزمات، فالحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عقد خلّفت مجتمعاً ممزقاً على أساس طائفي وعرقي، حيث اعتمد النظام السابق بشكل كبير على الطائفة العلوية، مما خلق استياءً كبيراً لدى الأغلبية السنية، وزاد من حالة الاحتقان الطائفي، لذلك سقوط النظام يفتح الباب أمام تصفية حسابات قد تطال العلويين، الذين كانوا ينظر إليهم باعتبارهم داعمين للنظام.

 

 علاوة على ذلك، يُعتبر المجتمع السوري متنوعاً بطبيعته، حيث يتألف من طوائف دينية ومجموعات عرقية متعددة، تشمل العرب، والأكراد، والتركمان، والمسيحيين، والدروز، لذلك فإعادة بناء دولة جامعة تتسع للجميع في ظل هذا التنوع يمثل تحدياً كبيراً، فمن دون صياغة عقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات هذه المكونات ويحترم حقوقها، قد تجد سوريا نفسها أمام صراعات داخلية جديدة قد تكون أكثر تعقيداً من الحرب الأهلية نفسها.

 

 كما تُعد عملية إعادة الإعمار تحدياً ضخماً، فالحرب تركت البلاد في حالة دمار شبه كامل، سواء على مستوى البنية التحتية أو الاقتصاد، وعليه تتطلب عملية إعادة الإعمار استثمارات ضخمة لا تستطيع الدولة توفيرها بمفردها، ما يجعل الاعتماد على المساعدات الدولية ضرورياً، لكن هذه المساعدات غالباً ما تكون مشروطة بإصلاحات سياسية، وهو أمر قد يعوق عملية التعافي في حال استمر التنازع على السلطة. يُعتبر انهيار النظام السوري بمثابة زلزال سياسي في المنطقة، لما له من تداعيات على التحالفات الإقليمية والدولية التي كان النظام جزءاً منها، فإيران التي كانت تعتبر النظام السوري حليفاً استراتيجياً وجزءاً من محور المقاومة، تواجه الآن خسارة كبيرة، لأن سوريا كانت تمثل رابطاً مهماً لإيران لنقل الدعم العسكري إلى حزب الله في لبنان لتعزيز نفوذها الإقليمي، ومع سقوط نظام الأسد، تجد إيران نفسها أمام تحديات إضافية في ظل ضعف تأثيرها في المنطقة وتصاعد الضغوط الداخلية والخارجية عليها، هذا الموقف قد يدفع القيادة الإيرانية إلى اتخاذ خطوات أكثر حدة، مثل تسريع برنامجها النووي كوسيلة لتعزيز موقفها الاستراتيجي.


 أما روسيا التي تدخلت عسكرياً في سوريا منذ عام 2015 لدعم النظام، فتجد نفسها أيضاً في موقف حرج، فقد كانت سوريا تمثل حليفاً استراتيجياً لروسيا وقاعدة لها لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وبالتالي خسارة النظام تعني فقدان قواعدها العسكرية، مثل قاعدة طرطوس البحرية التي تعتبر منفذاً مهماً لروسيا على البحر المتوسط، علاوة على ذلك فإن تدخلها في سوريا الذي تسبب في دمار واسع وسقوط ضحايا مدنيين، قد زاد من سمعتها السلبية في المنطقة.

 

 في الوقت نفسه، تستفيد تركيا من سقوط النظام السوري لتعزيز نفوذها الإقليمي، فتركيا ترى في هذه التطورات فرصة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، مثل تقليص النفوذ الكردي في المنطقة وإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين يشكلون عبئاً سياسياً واقتصادياً عليها، كما أن هذه المرحلة تمنح أنقرة مساحة أكبر لتوسيع دورها كقوة إقليمية مؤثرة في ملفات الشرق الأوسط. إسرائيل أيضاً ترى في سقوط الأسد مكسباً مرحلياً، إذ يؤدي إلى إضعاف أعدائها التقليديين مثل إيران وحزب الله، ومع ذلك فإن صعود قوى إسلامية في سوريا قد يطرح تحديات أمنية جديدة على المدى الطويل، مما يجعل مكاسب إسرائيل الحالية قصيرة الأمد.

 

 سقوط الأسد يفتح الباب أمام فرص جديدة لإعادة بناء سوريا على أسس ديمقراطية، هذا يتطلب قيادة قادرة على توحيد الصفوف وتحقيق المصالحة الوطنية، فالمصالحة ليست خياراً فقط، بل ضرورة لإعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري، ورغم التحديات الكبيرة، فإن هناك أملاً في بناء سوريا جديدة تتجاوز إرث الاستبداد والطائفية، هذا يتطلب التزاماً دولياً بدعم عملية التحول الديمقراطي، وتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية غير مشروطة، كما يتطلب قيادة سورية وطنية تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.


سوريا ما بعد الأسد أمامها طريق طويل وشاق، حيث إن النجاح يعتمد على قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم وبناء شراكة وطنية حقيقية تُعيد البلاد إلى مكانتها الطبيعية كجسر بين الشرق والغرب، وكدولة تجمع بين التنوع والاستقرار، لكن هذا النجاح ليس مضموناً، وهو يتطلب جهوداً مستمرة لتجنب الوقوع في فخ الفوضى أو الاستبداد من جديد.



شارك

مقالات ذات صلة