مدونات
سقوط بشار الأسد، ذاك الحدث الذي طالما كان حلمًا يُراود السوريين، جاء أخيرًا لكنه لم يكن مجرد لحظة فرح تنطلق بها الزغاريد، بل ترافق مع أسئلة ثقيلة بحجم تاريخ وطن، سقوط الطاغية لم يكن مجرد إسقاط رأس نظام، بل هو زلزال سياسي ضرب سوريا والمنطقة بأسرها، مخلفًا خلفه مشاهد لا تكتمل برؤيتها الأولى، فكيف استطاعت المعارضة أن تحقق ما عجزت عنه طوال سنوات عجاف من الدم والدمار؟ وما الذي تغيّر في موازين القوى ليُترك الأسد وحيدًا، حتى من أقرب حلفائه؟
معجزة المعارضة أم تخطيط مدروس؟
لطالما كان بشار الأسد رمزًا لنظامٍ متجذر، نظام لم يكتفِ بالقمع، بل صبغ السياسة بالدم وخلط الأمن بالسيطرة على مقدرات البلاد، المعارضة -رغم شتاتها- استطاعت في لحظة ما أن تُسقط هذا الجدار ولكن، هل كان هذا النصر وليد إرادة شعبية بحتة، أم أن الخيوط التي تُدار في غرف الظل قد قررت أن الأسد لم يعد مفيدًا؟
“التوقيت” كما يقول الحكماء هو كل شيء، ففي لحظة سقوط الأسد كانت التحولات الإقليمية تتسار، بدايةً من وقف لإطلاق النار في لبنان بعد فترة من التوتر، وأحاديث عن تسويات مشابهة تُلوّح في قطاع غزة، أليس من المثير أن تتزامن تلك الأحداث الكبرى وكأنها سلسلة مترابطة؟ لا يبدو المشهد مجرد حراك شعبي عفوي، بل ربما امتدادٌ لسيناريوهات تُكتب بحنكة على خرائط المصالح الدولية.
إيران.. الحليف الذي صمت!
السؤال الأكثر إلحاحًا: لماذا تخلت إيران عن الأسد؟ تلك الدولة التي ضخت مليارات الدولارات وأرسلت آلاف المقاتلين لنجدته، كيف اختارت أن تتركه فجأة؟ قد يكون الجواب في قراءة أعمق للمتغيرات الدولية! إيران، التي تواجه ضغوطًا غير مسبوقة على مستوى الملف النووي، ربما قررت أن التضحية بالأسد هي ثمن ضروري لتحسين علاقاتها مع الغرب أو لحماية مصالحها الأوسع في المنطقة.
الخوف من الفوضى: دروس من الجيران
التاريخ الحديث في المنطقة يقدم دروسًا مريرة لكل من يعتقد أن سقوط النظام هو نهاية القصة، العراق وليبيا هما شاهدان على كيف يمكن للفوضى أن تتسلل إلى قلب الوطن بعد زوال الطغاة، لتعيد إنتاج الأزمات بأشكال جديدة وأكثر قسوة وسقوط نظام الأسد قد يفتح بابًا آخر للخوف: هل تسير سوريا نحو مصير شبيه بالعراق أو ليبيا؟ إن الفراغ السياسي الذي سيتركه نظامٌ هيمن على كل تفاصيل الحياة، قد يكونان بيئة خصبة لصعود التيارات المتطرفة أو لتقسيم البلاد وفق خطوط عرقية وطائفية، الخوف كل الخوف أن تُستغل هذه اللحظة لإعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم مشاريع الهيمنة، سواء من إسرائيل التي قد ترى في الفوضى فرصة لتوسيع نفوذها، أو من قوى دولية تسعى لترسيخ وجودها على حساب سيادة الدول.
فهل تسير سوريا على الدرب ذاته؟ أم أن الشعب السوري الذي أثبت صموده في وجه الطغيان، قادر على تجاوز المحنة وبناء دولة حديثة تتسع للجميع!
سوريا بين الأمل والخطر
رغم هذه المخاوف التي تحاصر المشهد من كل جانب، يظل الأمل شعلة لا تخبو، يضيء بها السوريون دربهم الطويل نحو الغد فاليوم، وفي هذه اللحظة التاريخية التي تبدو كأنها بداية صفحة جديدة، تقف سوريا عند مفترق طرق، بلد عريق بتاريخ لا تنطفئ جذوته، وشعب صمد في وجه الحصار والحروب، لا يمكنه إلا أن يتمسك بحقوقه في الحياة والكرامة إن بناء سوريا الجديدة لن يكون مجرد حلم يترجمه سقوط الطغيان، بل عليهم أن يتذكروا أن قوتهم تكمن في وحدتهم، وأن معركتهم الحقيقية ليست فقط مع من اضطهدهم، بل مع كل من يحاول استغلال جراحهم لفرض أجندات خارجية تُفرغ الوطن من معناه.
الوطن فوق الجميع في لحظات التحول الكبرى، هناك حاجة ماسة إلى قيادات تمتلك الحكمة والرؤية، قيادات تستطيع أن تقول للجميع: “إن الوطن أكبر من مصالحكم الشخصية وأوسع من خلافاتكم”، هذه القيادات ليست مجرد شخصيات سياسية، بل يمكن أن تكون حركات شبابية، مجتمع مدني، وعقول مفكرة، تأخذ على عاتقها إعادة بناء الإنسان السوري قبل كل شيء.
سوريا التي نتمناها ليست مجرد جغرافيا تعيد ترميم مبانيها المدمرة، بل هو وطن حي ينبض بالحرية والعدالة، هذا الوطن الذي عانى كثيرًا يستحق أن يُرفع فوق كل الأحقاد، وأن يكون نموذجًا للعالم على أن الشعوب قادرة على النهوض، مهما بلغ حجم الجراح والأيام القادمة، ستحمل كل الإجابات! والأمنية الوحيدة، الأوطان يجب أن تبقى ثابتة كجبالها، عصية على كل من يحاول طمس هويتها أو سرقة مستقبلها، وسوريا اليوم تستحق أن تكون قصة نهوض، لا فصلًا جديدًا من المعاناة.