مدونات
الكاتبة: إسراء الموافي
في ساعات الفجر الأولى لهذا اليوم، شهدت سوريا لحظة تاريخية ستبقى محفورة في ذاكرة الأمة وأجيالها القادمة. بعد أكثر من عقدٍ من القهر والدماء، نجح الشعب السوري أخيرًا في تحقيق ما بدا مستحيلاً لسنوات. بشار الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وأدخلها في دوامة من الدمار والحرب، هرب تحت جنح الظلام، تاركًا وراءه قصوراً خاوية وشعباً منتصراً.
لحظة الهروب: انهيار النظام
الهروب لم يكن مجرد فعلٍ فردي لرأس النظام، بل كان إعلاناً واضحاً عن سقوط هيمنة الطغيان وانتصار إرادة الشعب. أكدت التقارير أن الأسد فرّ إلى جهة غير معلومة، مصطحباً معه أقرب أفراد عائلته وحفنة من حراسه، وسط حالة من التخبط داخل ما تبقى من نظامه المتهالك.
وفي الوقت ذاته، كانت المدن السورية تنتفض احتفالاً بالحرية التي تأخرت كثيراً. دمشق، التي ظلت لعقود مركزاً لحكمه، تحولت فجأة إلى ساحة من الفرح والهتافات، بينما رفع المواطنون الأعلام فوق المباني الحكومية والميادين العامة.
الهروب لم يكن فقط إعلاناً لنهاية النظام، بل مثّل أيضاً بداية لعهدٍ جديد يتطلع فيه السوريون إلى بناء وطنهم بعيداً عن الظلم والقهر.
تحرير المعتقلين: لحظة إنسانية بامتياز
لكن الحدث الأبرز والأكثر تأثيراً كان مشهد فتح أبواب السجون وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين قضوا سنواتٍ طويلة في ظلمات الزنازين. آلاف العائلات السورية ذرفت دموع الفرح وهي تحتضن أبناءها الذين غيبتهم آلة القمع، بعضهم خرج بوجوه أنهكها التعذيب، لكن بعيون مليئة بالأمل.
مشاهد اللقاءات بين الأمهات وأبنائهن، وبين الآباء وبناتهم، كانت كفيلة بأن تُشعل في القلوب أعمق المشاعر. لحظة الإفراج عن المعتقلين لم تكن فقط نهاية لمعاناتهم، بل بداية لصفحة جديدة من العدالة التي طالما انتظرها السوريون.
قصة “معتز”، أحد المعتقلين الذين خرجوا فجر اليوم، تجسد المعاناة السورية. اعتُقل قبل ست سنوات، تاركاً وراءه زوجةً وطفلة لم تتجاوز عمرها شهوراً. واليوم، خرج ليجد ابنته مراهقة تحمل ملامحه، واحتضنته وكأنها لم تعرفه يوماً إلا من خلال الصور القديمة.
الشعب هو القائد الآن
في كل زاوية من سوريا اليوم، كانت ملامح الاحتفالات واضحة. المواطنون العاديون، الذين تحملوا عبء الحرب والجوع والنزوح، أصبحوا قادة اللحظة. لجان شعبية تشكلت لتنظيم الأوضاع وتأمين المنشآت، وتعاون الجميع على تنظيف الشوارع وإزالة آثار النظام المنهار.
الجيش السوري الحر، الذي خاض معارك طويلة من أجل تحرير البلاد، أعلن أنه سيعمل بالتنسيق مع جميع الأطراف الوطنية لتأمين انتقال سلس للسلطة، وإجراء انتخابات حرة تُمكّن الشعب من اختيار قيادته بحرية.
تلك الجهود الوطنية جمعت السوريين من مختلف الخلفيات، فالمعادلة واضحة: سوريا الجديدة ستكون للجميع، ولن يُقصى أحد بسبب دينه أو عرقه.
دور العالم ومسؤوليته
سوريا اليوم ترسل للعالم رسالة واضحة: لقد انتصر الشعب. لكن هذا الانتصار يحتاج إلى دعم دولي يتجاوز التصريحات السياسية إلى أفعال ملموسة. التحديات التي تواجه سوريا هائلة، من إعادة بناء المدن المدمرة إلى معالجة آثار الحرب النفسية والاجتماعية.
الرسالة الأهم هي أن السوريين لا يريدون وصاية خارجية، بل دعماً يتيح لهم بناء وطنهم بأيديهم. منظمات الإغاثة الدولية والدول المحبة للسلام مدعوة إلى تقديم العون في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، لتعود سوريا كما كانت، بل وأقوى.
الأمل يعود إلى سوريا
اليوم، وفي هذا الفجر الجديد، تستعيد سوريا روحها وحريتها. تلك البلاد التي كانت رمزاً للألم والمعاناة أصبحت الآن رمزاً للصمود والانتصار. الطريق إلى التعافي طويل، والتحديات لا تزال كبيرة، لكن إرادة السوريين أثبتت أنها قادرة على صنع المعجزات.
الأطفال الذين نشأوا في زمن الحرب سيكبرون في زمن السلام، يحملون معهم ذكريات المعاناة، لكنها ستكون وقوداً لبناء وطن أكثر عدلاً وإنسانية.
سوريا، التي دفعت ثمناً غالياً من أجل حريتها، تستحق أن تعود أجمل وأقوى. سيذكر التاريخ هذا اليوم ليس فقط كنهاية لطاغية، بل كبداية لنهضة أمة.
وفي النهاية، يبقى الحلم السوري أكبر من كل الآلام: حلم بوطن يسوده العدل، يحكمه أبناؤه، ويعيش فيه الجميع بكرامة وسلام. هذا الحلم بدأ يتحقق فجر اليوم، وبإرادة شعبها، ستكمل سوريا مسيرة النور إلى مستقبل أكثر إشراقاً.