غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنَّ وراءها أُمَّة سترمي برميها حين تنفضُ سهامَها، وتغرسها في صدرِ عدوِّها، ولكن تبيَّنَ لها أنَّ الأسهم في كناناتكم هي للعروض العسكريَّةِ فقط! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها على حُسْنِ ظنِّها بكم!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم إن تركتموها تُقاتل وحدها، فإنكم على الأقل ستُمجِّدون أهلها وقسَّامها، فتبيَّنَ لها أنها كيوسف عليه السَّلام، سَلِمَ من الذِّئب ولم يسلم من إخوته! نهشتها قناة العربيّة، كرمى لعيون نتنياهو! ولاكتْ لحوم مجاهديها “سكاي نيوز” ليرضى مجلس الكابينت! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها فقد كانت تظنُّ أنَّ أهل القِبلة الواحدة، والمصحف الواحد، واللغة الواحدة، لن يُفرّقهم شيء!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم ستحترمون مأتمها على الأقل، ما دار في خَلَدِها أن يرقصَ بعضكم وجنائزها تُشيَّع على مدار السَّاعة! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها كانت تعتقدُ أنَّها جزءٌ من هذا الجسد، وأنَّها إذا ما أُصيبتْ ستداعون لها بالحمّى والسَّهر!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم إذا منعتم عنها الأسلحة، فيستحيل أن تمنعوا عنها الطَّعام، كانت تعتقدُ أنكم أرأفُ من أن تجمعوا عليها الجوع والموتَ! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها كانت تعتقدُ أنكم الأمة ذاتها التي قال خليفتها يوماً: اُنثروا القمحَ على رؤوس الجبال، كي لا يُقال جاع طيرٌ في بلاد المسلمين!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم إن لم تقفوا في صفِّها، فعلى الأقل ستقفون على مسافة واحدةٍ بينها وبين عدوِّها! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها كانت تعتقدُ أنكم ستقطعون طُرق إمداد عدوِّها كما منعتم رغيف الخبز عنها، فوجدتكم قد تداعيتم تنصرون عدوَّها، وتُمعنون في خذلانها!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم إذا رأيتم أطفالها يرتجفون في الخيام من البرد، فستقلبون الدُّنيا رأساً على عقب! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها كانت تعتقدُ أنكم سمعتم أنَّ عمر بن الخطاب لم ينم ليلته حين رأى الأطفال يبكون حول القدر المليئة بالحجارة! كانتْ تعتقدُ أنكم ستسهرون مثله وبعض أطفالها هذه حالهم!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم إذا رأيتم نساءها يُستخرجنَ قطعاً من تحت الأنقاض، ستثور حميَّتكم، فالعربيُّ يغفرُ كلَّ شيءٍ إلا ما تعلَّقَ بعِرضه، وقد كانت تحسبُ نفسها عِرضكم! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها كانت تعتقدُ أنَّ المعتصم الذي جهّزَ جيشاً جراراً لأجلِ امرأةٍ واحدة يمتُّ لكم بصِلَة!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم إذا رأيتم مساجدها تُهدم، سيتحرَّكُ فيكم نخوة وغيرة على دينكم، وتقولون: إلا بيوت ربِّنا! فتقبَّلوا اعتذارها، وسامحوها كانت تعتقدُ أن بيوت اللهِ غالية عندكم، ولكنها اكتشفت أنه من لم تُحركه دماء أطفالها فلن تُحرِّكه الكعبة لو هُدمت!
غزَّة تعتذرُ منكم، ظنَّتْ أنكم إذا سمعتم نساءها يقُلنَ: خذلونا، فلا تشفع لهم يا رسول الله! لن تناموا ليلتكم تلكَ، وستزحفون لنصرتها زحفَ رجلٍ واحدٍ، خشية أن يسألكم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غداً: ماذا فعلتم لغزَّة؟!
ولكنَّها اكتشفتْ أنَّ أمرها لا يعنيكم خارج مواقع التَّواصل، وبيانات الشَّجب الباردة، والإدانة العاجزة! غزَّة تعتذرُ منكم، لقد أحسنت الظَّنَّ بكم، فتبيَّنَ لها: إنَّ بعض الظَّنِّ إثم!