آراء

لماذا يهرب الناس كثيراً من نصرة الحق؟

ديسمبر 5, 2024

لماذا يهرب الناس كثيراً من نصرة الحق؟

 

الناس لا يقبلون حقيقة أنهم يعيشون في عالم لا يحمي الإنسان رغم وجود القوانين، ولهذا يفضلون تصديق أن كل المظلومين هم فعلاً مجرمون، وإلا لما حوكموا!” – علي عزت بيغوفيتش

في عالم تتشابك فيه الحقائق مع الأكاذيب، تنتشر بعض الأفكار التي لا أصل علمي لها، والتي لم ترسخ في أذهان الناس إلا لأنها رُددت كثيرًا. من هذه الأفكار “الفلسطينيون باعوا أراضيهم” والتي مرّت على كل من في عالم الانترنت. لماذا يميل الناس إلى تصديق هذه الأفكار؟ وهل يفضّل الناس تصديق الأكاذيب على البحث عن الحق ونصرته؟


تبرير التخاذل


لا يخفى على أحد أن بعض الأطراف، في محاولة لتخفيف الشعور بالذنب تجاه القضية الفلسطينية، تلجأ إلى ترويج أكاذيب بائسة تساوي بين المحتل وصاحب الأرض. من بين هذه الأكاذيب تلك المقولة الباطلة “باع الفلسطينيون أراضيهم”. يرددها بعض الناس كحجة لتبرير تجاهلهم لما يحدث في فلسطين.


إن الذين يروجون لفكرة “بيع الأراضي” هم في الحقيقة لا يودون الاعتراف بحجم الجريمة التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني. فبدلاً من الوقوف مع الضحية، يجدون من السهل عليهم تحميل المظلوم المسؤولية، مما يخفف عنهم العبء النفسي ويسمح لهم بالبقاء في منطقة الراحة.


الحقيقة التي يخفونها


لقد بدأت عملية السرقة الفعلية للأراضي الفلسطينية في عام 1948، مع قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي. ففي تلك الفترة، تم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين عنوة من مدنهم وقراهم، وسُلبت أراضيهم لتصبح ملكًا للمستوطنين. هذا كله تم تحت غطاء من التهديدات والقتل والاعتقالات. لم تكن هناك عملية بيع طوعية، بل كانت عملية سلب لحقوق الناس واحتلال لأراضيهم. حتى بعد الحرب، واصل الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاستيطان والمصادرة للأراضي الفلسطينية، متجاهلاً كل المعاهدات والقرارات الدولية. دوّن التاريخ بعض المذابح التي حدثت بسبب رفض أهل فلسطين التخلي عن أراضيهم مثل:


  • مذبحة بلدة الشيخ 1947
  • مذبحة دير ياسين 1948
  • مذبحة الطنطورة 1948
  • مبذحة خان يونس 1956
  • مذبحة صبرا وشاتيلا 1982
  • مذبحة المسجد الأقصى 1990

هل يمكن أن يبيع الشعب أرضه؟


من يستسهلون الحديث عن “بيع الأراضي” يتجاهلون جملة من الحقائق التي لا يمكن تجاهلها. أولاً، العديد من الأراضي الفلسطينية هي أراضٍ وقف إسلامي أو أراضٍ عامة لا يُمكن بيعها تحت أي ظرف من الظروف. فالحديث عن “بيع” هذه الأراضي هو كذب وافتراء.


ثانيًا، لماذا قد يبيع الإنسان أرضه ليتجه إلى العيش في مخيمات تفتقد كل مقومات الحياة من ماء وغذاء وسكن وتعليم وصحة؟ إن الحديث عن بيع الأراضي لا يتفق مع أبسط مقومات العقل والمنطق، ويكشف عن سذاجة أو سوء نية لدى من يروجون لهذه الأكاذيب.


التقاعس عن نصرة المظلومين


من يرددون هذه الأكاذيب لا يفعلون ذلك حبًا في الحقيقة، بل يسعون لتبرير تخاذلهم أو تجنبهم لموقف واضح إزاء قضية عادلة. ففي مواجهة جرائم الاحتلال الصهيوني التي تنتهك كل المعايير الإنسانية والدولية، يفضّل هؤلاء أن يبقوا على الحياد، لعدم الرغبة في الوقوف مع الحق الفلسطيني. فهم يروجون لهذه الأكاذيب لكي يضمنوا لأنفسهم راحة الضمير الزائفة، ولإبعاد الأنظار عن مسؤوليتهم في نصرة المظلومين.


لكن العالم الذي شهد ويشهد على مدار السنين واقع الاحتلال والانتهاكات لا يمكنه أن يغفل عن الحقيقة. الحق الفلسطيني ليس بحاجة إلى من يبرره، فالجميع رأى اليوم أنهم يستشهدون دفاعًا عن قضيتهم.


الختام


لا يمكن لأكاذيب مثل “بيع الأراضي” أن تغيّر الحقيقة. الأراضي الفلسطينية لم تُبع بل سُرِقَت بالقوة، والشعب الفلسطيني لا يتنازل عن حقوقه ولا عن أرضه. ومن يرددون هذه الأكاذيب لا يفعلون إلا تبرير تقاعسهم عن نصرة الحق. وواجبنا جميعًا أن نكتب عن  هذه الحقيقة، ونرفض محاولات تبرير الظلم وتشويه التاريخ، فالدفاع عن الأرض هو شرف عظيم لا يدركه إلا أولئك الذين يرفعون راية الحق مهما كانت التحديات.


ومن كان يردد “الفلسطينيون باعوا أراضيهم”، سيجد كذبة أخرى يتمسّك بها مثل “الفلسطينيون يكرهوننا” أو “مصلحتنا مع الكيان”، حتى لا يلتزم بالمسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق كل مسلم وهي نصرة المظلوم والدفاع عنه.


شارك

مقالات ذات صلة