مدونات
الكاتبة: فاطمة الزهراء حبيدة
أثار الروائي أسامة المسلم جدلا كبيرا، بمعرض الكتاب الدولي بالمغرب، الذي أقيم بالعاصمة الرباط،، إذ اتسمت زيارته للمعرض بحشود غفيرة من الشباب الذين جاءوا من مختلف مدن المغرب للقاء كاتبهم المفضل، بغرض الحصول على توقيعه، ومقابلته، إلى حدود هذه الأسطر يبدو الامر عاديا جدا، قراء يلتقون بكتابهم المفضل، لأن هدف تنظيم المعارض بالأساس هو تقريب الهوة بين الكاتب والقارئ، وبسط مساحة للنقاش، ومعرفة دوافع وانطباعات الكاتب من قضايا التأليف والكتابة، لكن ما أثار جدلا إعلاميا، وتساؤلا لدى الأوساط الأدبية، هو ذلك الحضور الكثيف الذي لم تشهد الساحة الثقافية مثله، ليتكرر نفس الاحتشاد في معرض الكتاب المقام بالجزائر، والذي شهد هتافات واغماءات انتهت بتدخل قوات الأمن، هذه الواقعة أثارت نقاشا عاما، خصوصا في الوطن العربي، إذ حتى وقت قريب، كانت تصدر انتقادات بين الحين والآخر تؤكد أن نسبة القراءة في الدول العربية ضئيلة، مقارنة بالدول الاخرى، كما تكرس انطباع جد سلبي اتجاه الشباب، بكونهم غير ملمين بعالم الادب، ولا يُقبلون على القراءة والكتابة، لذلك كان رد الفعل غريبا خصوصا من أولئك الذين لم يسبق لهم أن اطلعوا على أعمال أسامة المسلم، فبرزت عدة تساؤلات من هو أسامة المسلم؟ وكيف استطاع كاتب من دولة خليجية أن يخترقنا بكُتابنا رغم بعد المسافات والثقافات؟ لماذا كاتب سعودي وليس مغربي أو جزائري أو تونسي؟ فلا يمكن إنكار أن الساحة الثقافية والأدبية وَجهت مجموعة من الانتقادات، وحتى أن بعضهم استنكر هذا الأمر، واعتبر أن فيه مبالغة، وكان هناك تعقيب حاد على الذوق الادبي لقراء أسامة المسلم، يا تُرى ما الذي يميز أسامة المسلم عن غيره؟ هل التواصل؟ أم التعبير؟ أم الأسلوب؟ أو موضوعات رواياته؟
أسامة المسلم البعيد القريب
يمكن تقديم بعض الملاحظات على الأسلوب التواصلي للكاتب أسامة المسلم، بداية من حيث استعماله لوسائل التواصل الاجتماعي، والقرب من جمهوره، لكونه كسر تلك الهوة المألوفة بين الكاتب والجمهور، فإلى وقت قريب كان من الصعب أن يربط القارئ لقاء مع كاتبه المفضل، خصوصا إذ كان ينتمي إلى دولة أخرى غير التي يقطن بها القارئ، أو أن يتحين هذا الأخير معرضا دوليا لعله يظفر بتوقيع، أو فقط أن يلمح كاتبه من وسط الحشود، فقد كان ذلك اللقاء المباشر والمتقارب حلما يصعب تحقيقه، ناهيك عن بعض الحالات الشاذة، التي يمتنع فيها الكاتب عن التواصل مع قراءه بمحض إرادته وفي هذا الصدد، أتذكر حدثا مماثلا لهذا الوضع، أن كاتبا (أتحفظ عن ذكر جنسيته ولا أتحدث هنا عن أسامة مسلم) في إحدى محافل توقيع انتاجاته الأدبية، رفض رفضا قاطعا توقيع أي نسخة بحجة ضيق الوقت، ولسوء حظه أن الجهة المنظمة لم توفر التغطية الإعلامية اللازمة لسبب لا زلت أجهله، فلم تكد تنقضي نصف ساعة من اللقاء حتى خرج مزمجرا مهمهما وسط يأس الحاضرين الذين لم يستطيعوا إخفاء احباطهم من هذا التعالي وجهلهم لأسباب تنظيم هذا اللقاء من أساسه الذي لم يستغرق سوى دقائق معدودة، وربما لهذه الصورة المتعالية عن بعض الكُتاب، سبب مباشر لنفور الشباب من المجالس الثقافية، لكن يظهر أن أسامة المسلم كسر هذا النمط بتمكنه من الحضور واقعيا في المعارض والصالونات الثقافية وافتراضيا على منصات التواصل الاجتماعي، فكل هذه العوامل ساهمت في تعزيز تقاربه مع القراء، وجعلته أكثر شهرة في الأوساط الشبابية، خصوصا أن فئة الشباب تنبذ بشكل قطعي ذلك الخطاب النخبوي، الذي لا طالما شكل عائقا في خلق نقاشات جادة داخل الوسط الادبي، وغيبهم عن المجالس الثقافية، ليعود حماسهم من جديد مع أسامة المسلم، في حين نجد أن بعض الكتاب كرسوا مسارهم لممارسة “العزلة الفكرية والاجتماعية” ونصبوا أنفسهم ك”شرطة للأفكار” والتي تحدث عنها “علي حرب” في كتابه “أوهام النخبة أو نقد المثقف” وفصل كثيرا في أسباب انعزال المثقفين عن الواقع.
وكذلك من بين العوامل التي ساهمت بالتعريف بـ”المسلم”، شاب مغربي يدعى “بيرمون” الذي يمتلك قناة على منصة اليوتيوب، ويضع مقاطع فيديو يروي فيها قصص الرعب، من ضمنها القصص المتضمنة في أعمال أسامة المسلم ويسردها بطريقة مشوقة، مما ساهم في تقريب القراء من أعماله.
سأكون جازمة في حكمي وأقول إن أسامة المسلم كان ذكيا في التسويق لنفسه كشخص، ولرواياته ككاتب، خصوصا أن جل متابعيه من فئة الشباب، والذين يرتبطون بشكل وثيق بوسائل التواصل الاجتماعي، إذ لم تقف المسافات عائقا لتحقيق شبكة من القراء في مختلف الدول العربية، هذا النمط الذي جسده أسامة المسلم، جعل منه ذلك الكاتب القريب افتراضيا وفكريا، والبعيد جسديا فقط، في حين بقي العديد من الكتاب عالقين داخل أبراجهم العاجية، وظلت كتبهم حبيسة لرفوف المكتبات.
الخيال والرعب والحبكة الروائية المكونات الأساسية في أعمال أسامة المسلم
الموضوع الأساسي لأغلب روايات أسامة المسلم هو الجن، الخيال، الرعب، كل هذه العناصر جذابة للشباب، لكونها مليئة بالتشويق والإثارة، كما أن القالب الذي يضع فيه كل هذه العناصر، وتجعلها متماسكة وتعطي جودة لأعماله هي “الحبكة الروائية”، بالإضافة لأسلوبه السردي المتناسق والمنسجم، الذي يجعل القارئ ينصهر مع الاحداث ويندمج معها، ولكي لا يكون هذا الحكم مبني على قناعة شخصية، تواصلت مع مجموعة من القراء على مجموعة عبر الفيسبوك تهتم بقضايا القراءة، وطرحت سؤالا حول العامل الأساسي الذي يجذبهم لأعمال أسامة المسلم، وكانت الإجابات تنحصر في العناصر الآتية: السرد السليم، الأسلوب الجذاب، الأحداث المشوقة، أسلوب غير معقد، خيال متسع، الاندماج مع الأحداث، الترابط بين الأعمال الروائية، تواضعه مع القراء، ويبدو أن كل هذه المميزات، استقطبت فئة عريضة من الشباب، وجعلت قرأتهم للروايات يصاحبها التشويق، والحماس، فكل هذه العناصر تبرز نقاط القوة المميزة لأعمال هذا الكاتب.
قراء أسامة المسلم: كسر للوصاية الأدبية
يعقب أحدهم عن ما الفائدة التي قد يجنيها المرء من قراءة روايات الخيال والرعب، ويتضح أن هذه المواضيع لم ترق كفاية أولئك الذين يوصفون بـ”النخبة”، ويعتبرون أن القضايا الحقيقية هي ما يرتبط بالفلسفة، علم الاجتماع…، رغم أن الرواية قد تشكل مدخلا لمعالجة مجموعة من القضايا الاجتماعية والمجالات الفكرية، لكن أجيب أن لكل مرحلة عمرية اهتماماتها، فالقول بأن الشباب يجب أن يُلموا بفئة من الرواية ويحيدوا عن أخرى، هو أمر مجانب للصواب، ففي الكتابة والقراءة لا يمكن أن نمارس الوصاية على الاذواق الأدبية، وإن اعتبرها البعض غير ذات أهمية، فلا مجال لوضع معايير وتصنيفات تتعارض مع اختيار القارئ، فكما نؤمن في الاقتصاد بأن “المستهلك هو من يحكم”، فحتى في الادب، فالقارئ هو “من يحكم كذلك”، فالقراءة لا تخضع لنماذج محددة، نقرأ لأننا نريد بكل بساطة، لا يهم حياة الكاتب، مساره، جنسيته، جوائزه، بقدر ما يهم طريقة سرده، جودة تواصله، وصدقه في كتاباته، هذه المعايير هي المداخل الوحيدة التي تجعل من الكاتب مؤثرا، وهذا ما حققه أسامة المسلم.
لم يكن من اليسير أن يتتبع قراء أسامة مسلم كل هذا النقد الحاد الذي يتعرض له كاتبهم المفضل، لكن على ما يبدو أنهم نجحوا في كسر الصورة النمطية التي لا طالما قيدت عالم الادب، والتي تضع كل كاتب وفق حكم مسبق وتصنيف معين، وكأن روايات الخيال، والرعب لا تشكل مكونا من الثقافة، وكأن القارئ يجب أن يبقى لصيقا للمواضيع التقليدية، أو أن يظل وفيا للغة الاكاديمية، لكي يحظى برضى الاخرين ويظهر بمظهر المثقف المخضرم، لكن عموما فقد انتصر أسامة المسلم للشباب، وحقق ذائقتهم الأدبية، ولبى ما عجز عنه بعض الكتاب وهو القرب، والتواصل السليم.