سياسة

الشام بين الثورة السورية ونضال غزة: قلب التحولات العالمية ومستقبل العرب

ديسمبر 2, 2024

الشام بين الثورة السورية ونضال غزة: قلب التحولات العالمية ومستقبل العرب


منذ الأزل، كانت الشام، التي تضم سوريا وفلسطين ولبنان والأردن، قلب الأمة العربية والإسلامية، وموطنًا لصراعات كبرى أعادت تشكيل مصيرها عبر القرون، بموقعها الجغرافي الفريد، وتاريخها المليء بالأحداث السياسية الكبرى، فقد ظلت الشام مركزًا للتفاعلات السياسية والثقافية الحادة . واليوم، تعكس الثورة السورية التي قام بها الشعب السوري تجاه النظام الحاكم، ونضال أهالي غزة في فلسطين  ضد الاحتلال الإسرائيلي عمق التحديات الفكرية والسياسية  التي تواجه شعوب المنطقة العربية، وتجسد معركة وجودية بين فكرتي الاستبداد والحرية.


فتاريخ الشام السياسي ليس مجرد فصل في الكتاب العربي، بل هو كتاب كامل بذاته، ابتداءَ من الحضارات الكنعانية والفينيقية إلى الفتوحات العربية الإسلامية، فقد كانت الشام منبعًا للتغيير السياسي والثقافي في المنطقة ككل. وفي العصر الأموي الإسلامي، اختيرت دمشق عاصمة للخلافة الأموية، ومنها انطلقت حملات الفتح العسكري و الثقافي العربي إلى أقصى المشرق والمغرب. وكما ظلت مدينة القدس المقدسة، في قلب فلسطين، رمزًا روحيًا وحضاريًا للعالم الإسلامي في ظل النطاق الشامي.


فهذا التاريخ العريق أكسب الشام موقعًا محوريًا في الوجدان العربي. ومع ذلك، كان هذا الموقع دائمًا سببًا للصراعات السياسية و التجاذبات الحادة الفكرية. فالحروب الصليبية، والغزو المغولي، والاستعمار الحديث، وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي، جعلت من الشام مسرحًا دائمًا للصراعات بين قوى الهيمنة العالمية وأبناء هذه الأرض الملحمية، والصراع بين أفكار التحضر و بين وساوس التوحش.


وفي العصر الحديث، تجسدت نهضة الشام الكبرى في الثورة السورية والنضال الفلسطيني، وهما رمزان للحرية والكرامة و تحقيقاَ لأبسط حقوق الانسان و مراده في العيش الكريم . فالثورة السورية التي انطلقت عام 2011 كانت إرادة شعبوية تريد فقط كسر قيود فكرة الاستبداد، فبدأت بالمطالب البسيطة، لكنها سرعان ما تحولت إلى ملحمة بطولية ضد فكرة متجذرة  في الديكتاتورية. ورغم الدمار الهائل والمعاناة غير المسبوقة، وجدنا استمرار الشعب السوري في صموده، رافضًا التخلي عن حقه في العيش الكريم.


على الجانب الآخر، تقف غزة كأيقونة للصمود الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. فهذه المدينة الصغيرة في حجمها ، والمحاصرة منذ أكثر من عقد، أصبحت رمزًا عالميًا للمقاومة. ففي كل مرة تتعرض للقصف أو الحصار، تعيد غزة تجديد التزامها بالنضال من أجل الحرية والكرامة، ليس فقط لفلسطين، بل للأمة العربية بأكملها.


وما يربط الثورة السورية بنضال غزة ليست الجغرافيا فقط المتمثلة بإقليم الشام، بل هو المصير المشترك و الروح الموحدة، فكلاهما يعبر عن معركة وجودية للشعوب العربية ضد أفكار الاستعمار وألاعيبه، فكلاهما يواجه آلة دمار هائلة، وكلاهما يلهم العالم بإرادته الصلبة ويجعله في ذهول و تعجب.


ومع ذلك، فالتحديات هائلة، والقوى الإقليمية والدولية تستثمر في إبقاء الشام العربي ساحة للصراعات والتوترات السياسية،  لكن نؤمن بأن إرادة شعوبها العربية أثبتت أنها قادرة على تجاوز المستحيل. فنهضة سوريا، وتحرير فلسطين، ليسا مجرد أحلام، بل هما ضرورة لتحقيق مستقبل مشرق للأمة العربية و مشروع العرب الموحد في مواجهة قوى الظلام العالمي.



شارك

مقالات ذات صلة