سياسة
لست أدري لماذا يتوقف المواطنون عند هذه اللحظة بالذات للحديث عن ”شجاعتي“. فلم أقل إلا ما يحيق ينفس كل مواطن مصري الآن. قلتها تحت قبة البرلمان في مناقشة تعديلات دستورية تمنح الرئيس صلاحيات ومدد إضافية، ولم يرد في بالي أنها ستكون البداية لرحلة المشقة والمعارك ندا لند مع هذه السلطة. هناك حكم أساسي للمحكمة الدستورية بتاريخ ١٧ ديسمبر ١٩٩٤ برئاسة المستشار المرحوم عوض المر يقول فيها ”إن الوثيقة الدستورية تخلق سلطات الدولة ، بما فيها مجلس الشعب والحكومة وتقرر مسؤولياتها والقواعد التي تحكمها، بالتالي لا يجوز لسلطة هي من خلْق الدستور أن تخلق الدستور.
كان من باب أولى بدلا من تعديلات دستورية أفسدت مصر أن نستشهد بهذا الحكم الدستوري عن المستشار المر وقد صدر قبل المادة ٢٢٦ وقبل دستور ٢٠١٤. كم الدستورية السالف كان يحرّم على البرلمان التدخل في المواد المتعلقة بالسلطات الثلاثة ورئيس الجمهورية. كثير من التشريعات التي أدت للتعديلات الدستورية ٢٠١٩ يصطدم بالمادة ٢٢٦. قطعا رفضت هذا الأمر في كلمة أما البرلمان في الجلسة. وقلت: لكي أكون صادقا تماما وواضحا تماما، قلت أنني أحترم فيض المشاعر في حب الرئيس والوثوق في أدائه وما إلى ذلك.
سألت النواب أثناء الجلسة ذاتها ”متى تعرضت مصر للضياع باختفاء شخص؟!“
هنا طبعا قاطعني رئيس المجلس آنذاك طالبا مني بتوتر شديد ”يا سيادة النائب اعرض المواد التي تعترض عليها ومسببات الرفض.“ اختلف المشهد لان الرئيس ذُكر في جملة مفيدة. فقلت أنا بالفعل أقوم بذلك. قاطعني السيد رئيس المجلس مكررا ”ما يبرر – ما يبرر الرفض“ أتذكر الكلمات من يومها حرفيا. التعديل الذي كنت أراه هو استبعاد النص وأي مادة تنفي بشكل مبدئي تقاطع السلطات الثلاث وهو أمر فقهاء كتابة التشريعات في مصر فصّلوا فيه كما سلف ذكره.
كنت ولازلت لا أرى أي خطورة على الدولة المصرية لغياب أي شخص، ثم أن التعديلات جرى تسويقها بأنها نتاج لجلسات الحوار المجتمعي. وهو أمر شديد الخبث للأسباب التالية: أعفينا رئيس الدولة من مواجهة الناخبين لعامين إضافيين بعد انتهاء مدته كنت أرى أن ما سيحدث فيهما. بداية ستنتهي مهلة الإشراف القضائي على الانتخابات، فنعود مباشرة بجرة قلم إلى العصر البائد والتي مازالت عالقة في أذهاننا نحن الشعب والمسؤولين وأمامنا في البرلمان تصوغ أيدينا مصيره. إذا كنا أدركنا أن المادة ٧٦ في الدستور الماضي أن المشرع حام حول صفات ”الوريث“ بالتورية لا بالمجاهرة. فإذا بنا في التعديلات الدستورية التي طرحت علينا نوابا عن هذا الشعب نذكر بلا مواراة الرئيس في تمديد المدة وصلاحيات خطيرة.
الاقتراب من مواد الرئاسة في الدستور وهو ما يناقض ذات الدستور، والهدف منه كان إعفاء الرئيس من مواجهة الناخبين سنتين كاملتين بدون تبرير مقنع غير التلاعب للدستور دون رادع حتى من المجلس التشريعي. طبعا قوطعت ثانية لأن كلمة ”الرئيس“ شديدة الخطورة وخروج عن النص الذي لا يغضب هذه السلطة الذي ربما لم يجد في ادائي وتاريخ عملي وزملائي نقاط ضعف فقرر الحجر على ما نناقشه ضرورة في البرلمان.
فما كان مني أستوقف مقاطعتي وأرحم الزملاء من توتر المحيط لمجرد ذكر الرئيس بصفته داخل جلسة عامة للبرلمان تناقش التعديلات الدستورية وتفندها أو من المفترض أن ترفضها لذلك وجب النقاش. فلكي أرفع العبء عن السيد رئيس الجلسة قلت: أنا أحترم جدا حق الزملاء في حب الرئيس والثقة به وبأدائه، لكنني لا أحب الرئيس، ولا أثق في أدائه، ولست راضيا عنه. هذا كان حقي كمواطن مصري قبل أن أكون نائبا فهل يغضب ذلك شخص ما؟ سمعت همهمات بدأت تزوم في القاعة. لقد تخطيت الخط الأحمر المرسوم وكسرت الحد الفاصل بيننا كمواطنين ينوبون عن مواطنين والصفة الرهيبة التي كانوا يخافوا ذكرها. ولم تكن أبدا آخر مرة أقوم بذلك أونا وزملائي في تكتل ٢٥/٣٠.
مرت سنوات تقهقر فيها أداء الدولة، وتفاقمت المشاكل وغرقنا فالديون الداخلية والخارجية وعجز عن السداد وبيع الأصول وضاع دورنا ومكانتنا الإقليمية وبقاؤنا نفسه مهدد على حدودنا جميعها وكل بوابات أمننا القومي، فضلا عن معركة الوجود مع إثيوبيا. سارت هذه السلطة غير عابئة بالمواطنين ولا بأي من سلطات الدولة الثلاث. مرت ثقيلة على مصر هذه العشرية.عزمت أمري ألا أعود عن مشروع التغيير المدني الديمقراطي الذي لا هم له سوى المواطن لنهايتي أو لنهاية هذه السلطة ومشروعي الأهم تقديمة البديل المدني الديمقراطي في انتخابات الرئاسة. لا أدري أين سأكون ومن سيقرأ هذه الشهادة. مازلت لا أحب الرئيس ولا أثق في أدائه ولست راضيا عنه.