حدَّثنا هوميروس في الإلياذة مطوَّلاً عن حصار طروادة التي دارت رحى حربها بين طروادة وإسبارطة! كانت الفاتنة هيلين هي الشرارة التي أوقدتْ نار تلك الحرب التي استعرتْ أعواماً ! كانت هيلين متزوجة من شقيق ملك إسبارطة، وعشقتْ ابن ملك طروادة وهربتْ معه إلى مملكة أبيه! فجمع الإسبارطيون جيشاً عرمرماً، وركبوا البحر إلى طروادة، وضربوا حولها حصاراً خانقاً! فقد خطب فيهم ملك البلاد خطاباً مطوَّلاً عن الثأر لشرف البلاد الذي اُستبيح!
خرج الطرواديون ينظرون في مطالب الإسبارطيين علهم يتجنبون هذه الحرب، فاقترح عشيق هيلين أن يتبارز مع زوجها، فإن هزمه يرجع الإسبارطيون من حيث أتوا، وإن قُتل على يد زوجها يكون الزوج قد ثأر لشرفه!
لقي هذا العرض استحسان زوج هيلين، إذ رأى في خصمه لقمة سائغة، فهو ليس من أهل الحرب كأخيه الأكبر هيكتور قائد جيش طروادة، وولي عهد المملكة، والذراع الأيمن لأبيه! ولكن ملك إسبارطة قال لأخيه: أو تحسبُ أني جهزتُ كل هذه الجيوش لأجل زوجتك هيلين؟ لقد أتيتُ لأجل طروادة يا عزيزي!
متَّكئاً على هذه القصَّة أحببتُ أن أضعَ بعض النِّقاط على الحروف بخصوص تحرّك المعارضة السُّورية ضدَّ نظام دمشق :
1. ثورتكم هي ثورة عادلة، وخصمكم هو خصمٌ طاغٍ، وأرجو أن يُفهم كل ما سيأتي من كلام هو ضمن هذه المسلمات!
2. لا شكَّ أنَّ مطلبكم عادل، وتحرّككم مبرور، ولكن لا تنسُوا أنَّ لكثيرٍ من الدُّول الرَّاعيّة مصالحها وأجنداتها الخاصة، وأنَّ الدُّول ليست جمعياتٍ خيريّة، وحين خرجتم لأجل الشَّرف والثأر والكرامة، فهذا لا يعني أن جميع من في المعادلة تعنيهم هذه الأمور، البعض عينه على طروادة!
3. فهم المعادلات الدوليّة، واللعب على المتناقضات لا شيء فيه، على العكس هذا هو الشيء الذي تقوم عليه السياسة، فخذوا من دُنيا النَّاس ولا تعطوهم من دينكم!
4. تذكَّروا جيداً أن أمريكا نفسها فتحت الباب على مصراعيه في الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، لا حُبًّا بالإسلام ولا بالجهاد ولا بالأفغان وإنما تحقيقاً لمصالحها، ثم بعد أن اندحر الروس تحوّل المجاهدون بنظر العالم إلى إرهابيين وخارجين عن القانون! لهذا لا يقدح بصاحب الحق أن يستفيد لتحصيل حقّه، ولكن عليه أن يبقى على حذرٍ لأنّ المعادلة لا تبقى ذاتها مع مرور الوقت!
5. اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، صحيح أنكم ظُلمتم من النّظام، وخُذلتم من الأُمة، ولكن هناك أخطاء أنتم أخطأتموها بحقِّ أنفسكم، والعاقل من يتعلّم من أمسه لغده!
6. ابتعدوا عن الخطابات الطائفيّة، سواءً على المستوى الرّسمي أو على مستوى الأفراد، أحد أهم فشل الموجة الأولى للثورة أنها لم تُسوّق نفسها على أنها بديل مقبول للعالم!
7. احذروا بذور التَّطرف، ولا تسمحوا لها أن تنمو بينكم، إنهم كلما أرادوا أن يُجهضوا ثورةً أخرجوا لها داعشاً وأخواتها!
8. ليكن لكم قيادة جامعة تُحسنُ خطاب الداخل، وتفهم تركيبة العالم في الخارج، فإنَّ الذي يربح الميدان ليس بالضرورة أن يربح السياسة!