بعد شهور من الدبلوماسية المكثفة بقيادة المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان، آموس هوكستين، وقّعت إسرائيل ولبنان اتفاقية لوقف إطلاق الناروالتي، على الأقل من الناحية النظرية، من المفترض أن توقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله وتسمح لسكان جنوب لبنان وشمال إسرائيل الذين شُرِّدوا بالعودةإلى منازلهم.
ولكن بعد يوم واحد فقط من دخول وقف إطلاق النار أطلقت القوات الإسرائيلية النار على عدة مواقع في جنوب لبنان وقالت إنها ألقت القبض على أربعة مسلحين من حزب الله بالقرب من الحدود اللبنانية بزعم انتهاكهم شروط الاتفاقية. تُظهر هذه الحوادث مدى هشاشة الاتفاقية بين الطرفين المتحاربين، وتبرز الحاجة إلى وسطاء خارجيين لوضع الأسس لمعالجة الأسباب العميقة للصراع في المنطقة.
وعلى الرغم من الهدوء النسبي منذ توقيع الاتفاقية، هناك العديد من العوامل التي تهدد بتقويض السلام الدائم بين إسرائيل ولبنان.
الأول هو الحرب المستمرة على غزة، والتي لا تزال توفر ذريعة لحزب الله لإطلاق الصواريخ على إسرائيل تضامنًا مع حماس. الثاني هو استمرار وجود القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. فبدلاً من الانسحاب مباشرة بعد توقيع الاتفاقية، لدى إسرائيل 60 يومًا لإتمام الانسحاب. وخلال نفس الفترة، يجب على حزب الله نقل أسلحته إلى شمال نهر الليطاني. توفر هذه الفترة الزمنية الممتدة لمدة شهرين فرصة كبيرة لحدوث مشاكل، كما شهدنا يوم الخميس مع الهجوم الإسرائيلي في جنوب لبنان. من جهته، تعهد حزب الله بمواصلة مقاومته لإسرائيل، مشيرًا إلى أن قواته ستراقب انسحاب إسرائيل “وأيديهم على الزناد”.
عامل آخر في الخلفية؛ هو العلاقة الديناميكية بين القوات المسلحة اللبنانية، الجيش الشرعي للبنان، وحزب الله. لقد اشتبك الطرفان في الماضي عندما حاول الجيش اللبناني فرض موقفه كحامل شرعي ووحيد للسلاح في البلاد.
الآن، وكما هو الحال في الاتفاق الذي تم توقيعه بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بعد حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، يتعين على الجيش اللبناني ضمان تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار الحالية، بما في ذلك منع هجمات حزب الله على إسرائيل ونقل جميع أسلحته إلى شمال نهر الليطاني.
هذه المهمة قد تؤدي إلى تصاعد التوترات بين الجيش وحزب الله، وترفع احتمال وقوع اشتباكات مسلحة بين الجانبين. وإذا حدث ذلك، فإنه سيزيد من زعزعة الوضع الداخلي المتقلب أصلاً في لبنان، خاصة في ظل نظام سياسي لبناني ضعيف و هش، وأزمة اقتصادية مستمرة تعصف بالبلاد.
ثالثًا، لا يزال الصراع الأكبر بين إيران وإسرائيل نشطًا. في غياب حل دبلوماسي تفرضه أطراف خارجية، فإن العداء المستمر بين إيران وإسرائيل سيغذي دعم إيران لوكلائها في جميع أنحاء المنطقة، مما يجعل من الصعب للغاية منع التوترات من التحول إلى صراع مسلح شامل. هذا الوضع يضع المنطقة في حالة مستمرة من الحرب منخفضة الحدة، مما يترك سكانها عرضة للخطر وانعدام الأمن بشكل دائم.
في النهاية، يُفترض أن يكون وقف إطلاق النار وسيلة لتحقيق غاية، وليس غاية بحد ذاته.
ولذلك، يجب على الجهات الخارجية الثلاث الرئيسية الضامنة لهذا الاتفاق—الولايات المتحدة، فرنسا، والأمم المتحدة—أن تستغل هذا التوقف في القتال لبدء وضع الأسس لحل القضايا الأساسية التي تقف في صميم الصراع في الشرق الأوسط ويجب أن يبدأ ذلك بمعالجة الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي العربية، بالإضافة إلى ملف إيران النووي واستخدامها للجماعات المسلحة في لبنان، فلسطين، العراق، سوريا واليمن لخوض حربها ضد إسرائيل، وهي جميعها عوامل تسهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
هذا هو الوضع الذي سيرثه دونالد ترامب عند بدء ولايته الثانية في يناير 2025. على الرغم من تصريح ترامب برغبته في إنهاء الحروب في الشرق الأوسط، يبقى السؤال ما إذا كان سيبذل الجهود اللازمة.
لمعالجة جذور الصراعات في المنطقة، أم سيوجه تركيزه إلى أولويات أخرى مثل الصين والقضايا الداخلية مثل اقتصاد الولايات المتحدة. حتى ذلك الحين، تقع المسؤولية على عاتق الرئيس بايدن وفريقه للحفاظ على وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل ولبنان، ومحاولة تأمين وقف ثانٍ لإطلاق النار في غزة. بالنظر إلى سجل الرئيس في المنطقة خلال العام الماضي، لا يملك منتقدوه الكثير من التفاؤل، بينما يأمل آخرون أن يستغل ما تبقى له من أشهر في المنصب بشكل أكثر فاعلية مما فعل حتى الآن.