مدونات
الكاتب: أحمد الخولي
من بعض الوقت أتت إليَّ رسالة في بريدي الإلكتروني من الجامعة التي أتابع فيها دراساتٍ عليا في روسيا تقول إن عليَّ إتمام دورة في نظام تشغيل أسترالينكس. فولجت إلى الموقع وأتممت تلك الدورة. وبعد برهة من الزمن أتاني خبر استبعاد المطورين الرئيسيين والذين ينتمون بشكل ما إلى روسيا من تطوير النواة الأساسية للنظام. ما هما الخبران؟ وهل تصنع قصة شيقة وتكتب عنها وهي فقط في خيالك؟
دعنا نسهل الأمر لغير المتخصصين. نظام لينكس هو نظام مفتوح المصدر، طُوِّر بفكرة أن يتيح برامج الحاسوب وأكوادها لكل الناس. تم تطويره بالأساس من قبل الهواة، ثم أصبح فعليًا أكبر نظام تشغيل على وجه البسيطة. يا صديقي، إن كنت في يوم قد استخدمت هاتفًا نظام تشغيله أندرويد فأنت بشكل ما استخدمت لينكس، علمت أم لم تعلم. لأن نظام أندرويد هو في الأساس مبني على نواة لينكس، وإذا كنت من الأثرياء وامتلكت ثلاجة غاية في الذكاء فمن المرجح أن على شرائحها نفس النظام.
إذًا ما علاقة لينكس بمايكروسوفت؟ في حين أن مايكروسوفت هي شركة كانت في البداية تبيع منتجها الأكبر والأكثر شهرة للشركات الصغيرة وهو حزمة أوفيس، ثم بدأت بعد ذلك بالتعاون مع آي بي إم وتبيع نظامها الأشهر وهو ويندوز. كانت هذه الأنظمة ولا زالت مغلقة المصدر. غلق المصدر معناه أن تستعمل البرمجية كما يريدها خالقها لك، ليس ما تريده أنت، فتسلب منك حرية ومرونة استعمال الحاسب الآلي وتجعلك مجرد مستخدم.
دعنا نبسط الأمر. الأمر أشبه بمن يبيعك سمكة ومن يعطيك صنارة. فمايكروسوفت تبيعك السمكة وترشدك كيف تأكلها وكيف تعدها للأكل، أما لينكس فيعطيك العصا والخيط والخطاف ويطلب منك تركيب السنارة وتعلم الصيد وفعل ما تريد، وذلك كله مجانًا أو نظير تبرع تقوم أنت اختياريًا بدفعه.
الشيفرة المصدرية المغلقة ليست تقييدًا للحرية فقط، وإنما أيضًا تبعث تخوف دولٍ تريد أن تبتعد عن الفلك الأمريكي مثل الصين وروسيا، وفي نفس الوقت لا تريد أن تعيد اختراع العجلة. لذلك فدائمًا الحل الأمثل لها هو مع أنظمة التشغيل التي لا يمتلكها أحد، متاحة للمشاع، والتي تستطيع أن تنشئ منها نظام تشغيل حسب احتياجاتك. ودعنا لا نغوص أكثر من ذلك. الأمر في وجهة نظري أن لينكس هو أكثر كفاءة من ويندوز.
نعود إلى البداية، ما علاقة روسيا بكل هذا؟ روسيا بعد خروج مايكروسوفت من السوق اتجهت في جيشها وجهازها الإداري إلى استعمال خدمات تعتمد على لينكس، بل إنها وصلت إلى الحد إلى تطوير نظام تشغيل أو توزيعة معتمدة بالأساس على لينكس وسمتها أسترالينكس.
الروس من الناس الموهوبين في مجال البرمجة، ومعروف عنهم ذلك، إلى أن بعض مطوري لينكس من الروس. فذهب أولئك المطورون إلى تطوير هذه التوزيعة الخاصة والمكيّفة تمامًا لاحتياجات روسيا، الملحقة والمُدمج فيها خوارزميات تخص تلك الدولة. وبدأت من رأس الهرم الجامعات لتعليمها ثم تركها لتنتشر انتشارًا طبيعيًا. فهي لا تريد بعد انقطاع خدمات مايكروسوفت عنها أن تتقادم أجهزتها من حيث البرمجيات ثم تكون جاهزة لأي هجمة سيبرانية أو تكون هي نفسها الأداة للتلصص واستخراج المعلومات من روسيا. أدرك المطور الرئيسي للينكس وهو لينوس تورفالدز ذلك الأمر، وأراد أن يبتعد بمشروعه، وهو الذي كان هواية في البداية، عن تلك الصراعات. فقام بحذف المطورين الروس من تطوير نواة لينكس.
طبعًا لا نغفل من حيثيته الواضحة حيث إنه أمريكي الجنسية، ولا نغفل أيضًا رأيه في الصراع الروسي الأوكراني، فذلك طبيعي تمامًا. ولكن أن يستهدف أشخاصًا معينين، فهو يريد بشكل معين أن يعلن أن لينكس ليست أداة لمساعدة أحد ضد أحد، وأن يُنجي بمشروعه من تلك الصراعات.
هل هذه هي النهاية بالنسبة لروسيا؟ لا بالطبع. فالمطورون هم أشخاص موهوبون يستطيعون أن يقوموا بأنفسهم بتطوير تلك النواة ولكن بعيدًا عن الخط الأصلي والفلسفة الواحدة التي يتبعها النظام الأصلي. في النهاية، بعد سنوات من تطويرهم بمعزل عن النظام الأصلي، ستنشأ نظام تشغيل لا يعمل إلا في روسيا ويختلف تمامًا عن النظام الأصلي. سيصير لدينا منتج له توجهات روسية فقط بعيدًا عن النظام الأصلي، كما حدث مع الشركة الصينية هواوي في تطويرها لنظم تشغيل هارموني، وتلك حكاية أخرى في مقال آخر.