سياسة
مع بداية الرئيس المنتخب دونالد ترامب تشكيل إدارته الثانية، برزت خياراته للمناصب الرئيسية لتلقي الضوء على أولوياته في الحكم: التركيز الشديد على الولاء داخل فريقه، وتبني نهج صارم تجاه الخصوم مثل الصين وإيران، مع التمسك بعلاقات التحالف التقليدية في الشرق الأوسط مثل دول الخليج و إسرائيل، وتجنب التورط العسكري الأمريكي في المنطقة. كما تشير هذه الخيارات إلى أن ترامب سيكون القوة الدافعة الرئيسية وراء سياسات إدارته، حيث يلعب أعضاء إدارته دور المنفذين والمطبقين لهذه السياسات
عامل الولاء
تكشف ترشيحات ترامب لإدارته عن فلسفة حكم تعتمد بشكل عميق على الثقة والولاء، على الرغم من أنها تثير مخاوف كبيرة في واشنطن وخارجها. اختيار ترامب لعضو الكونجرس مات غايتس رئيس وزارة العدل يُعد المثال الأكثر تطرفًا على هذا النهج الذي يضع الولاء فوق الكفاءة. غايتس كان في السابق مستهدفًا في تحقيق حول الاتجار بالجنس من قبل وزارة العدل نفسها التي يُرشح الآن لقيادتها. ومع ذلك، يرى ترامب في اختيار غايتس فرصة لإحداث تغييرات جذرية في وزارة العدل، التي استهدفته هو نفسه في قضيتين جنائيتين بعد انتخابات 2020: الأولى بتهمة التآمر لإلغاء نتائج الانتخابات والثانية بتخزين وثائق سرية في منزله بمارالاغو.
وبالمثل، فإن اختيار تولسي غابارد مديرةً لمكتب الاستخبارات الوطنية يُعد اختيارًا غير تقليدي. وعلى الرغم من أنها لم تعمل قط في مجال الاستخبارات وتعرضت لاتهامات سابقة بنشر دعاية روسية عبر الإنترنت، فإن علاقتها بالرئيس المنتخب تستند إلى الثقة المتبادلة والأولويات المشتركة، مثل تقليل تدخل الولايات المتحدة في صراعات في الشرق الأوسط.
أما اختيار ترامب لوزير الدفاع وهو مقدم البرامج في الشبكة التلفزيونية المحافظة فوكس نيوز ورائد سابق في الجيش الأمريكي بيت هاغسيث، فهو أقل تقليدية. هاغسيث لم يشغل أي منصب قيادي خلال خدمته العسكرية، وقد صرح سابقًا بأنه لا يعتقد أن النساء يجب أن يخدمن في القتال كما أقنع ترمب خلال فترة ولايته الأولى بالعفو عن أعضاء القوات المسلحة الأمريكية المتهمين بارتكاب جرائم حرب. وقد أثار ترشيحه صدمة في البنتاغون وواشنطن بشكل عام.
كل هؤلاء، إلى جانب آخرين رشحهم ترامب في مناصب رئيسية في إدارته، هم من المحافظين المتشددين الذين يتبنون بشكل كامل شعار ترامب “أمريكا أولاً”. وبينما ينتقد المعارضون هذه التعيينات بوصفها تفتقر إلى الخبرة والمؤهلات اللازمة يجادل مؤيدو ترامب بأن الولاء يضمن التوافق مع رؤيته وسياساته، متجنبين أي صراعات محتملة شبيهة بتلك التي واجهها ترامب مع أعضاء سابقين في فريقه، مثل وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، الذي اصطدم مرارًا مع ترامب بشأن سياسة الدفاع الأمريكية في الشرق الأوسط.
ما الذي يعنيه ذلك لسياسات ترمب الخارجية
نهج ترامب القائم على الولاء أولًا أثار انقسامًا بين المراقبين: بينما يرى النقاد أن ذلك يزيد من خطر اتخاذ قرارات خاطئة داخليًا وخارجيًا بسبب نقص خبرة فريقه، يعتبر المؤيدون هذا التوجه تغييرًا ضروريًا عن عدم الكفاءة والتفكير التقليدي الذي يميز الطبقة السياسية في واشنطن.
على الصعيد العالمي، تعد فترة ترامب الثانية بتكريس اهتمام أكبر لمواجهة التهديدات المتصورة من الصين وإيران، مع تعزيز العلاقات مع الحلفاء الذين يتماشون مع رؤيته. كما أنه من المرجح أن يكرس الكثير من طاقته خارج الولايات المتحدة لتقليص الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، بينما يضغط على الدول الأوروبية لتحمل المزيد من المسؤولية عن الحفاظ على الأمن العالمي.
تركيز أقوى على الصين
تشير مناقشات ترامب حول السياسة الخارجية خلال حملته الانتخابية إلى تبني نهج أكثر حدة تجاه الصين. ويؤكد ترشيح السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية التزام الإدارة بمراجعة قضايا التجارة والتعريفات الجمركية، انطلاقًا من قناعة بأن الولايات المتحدة كانت متساهلة للغاية مع الصين في عهد بايدن.
روبيو من أبرز الداعين إلى مواجهة بكين في هذه القضايا، إضافة إلى انتهاكاتها لحقوق الإنسان، خاصة في شينجيانغ وهونغ كونغ، في فترة ترامب الثانية، قد يؤدي ذلك إلى تصعيد كبير في الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية ضد الصين. دعم روبيو لسياسات تعزز من مكانة تايوان وتواجه مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، من المتوقع أن يعيد تعريف العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، دافعًا بها نحو مرحلة جديدة من التنافس الاستراتيجي. ويرى المحللون أن هذا التعيين يشير إلى نية ترامب ترسيخ سمعته كخصم قوي للصين، وهو موقف يتماشى مع قاعدته الانتخابية ولكنه يثير مخاوف من تصاعد التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
دعم إسرائيل وإنهاء الحرب في غزة
سيكون الشرق الأوسط محورًا آخر لسياسة ترامب الخارجية، واختياراته بالنسبة لمرشحيه تشير إلى استمرارية عامة لنهجه خلال فترته الأولى -التعاون الاقتصادي مع دول الخليج وعزل إيران- مع السعي لاستكمال “صفقة القرن” من خلال إنهاء الحرب في غزة وتحقيق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
ترشيح حاكم أركنساس السابق مايك هاكابي لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل هو إشارة واضحة على الدعم القوي للعلاقة الأمريكية-الإسرائيلية. هاكابي، المعروف بتحالفه الوثيق مع إسرائيل، من المتوقع أن يدعو إلى سياسات داعمة لإسرائيل بشكل صارم، وهو ما قد يشمل، بحسب البعض، ضم إسرائيل رسميًا للضفة الغربية. ومع ذلك، وبالنظر إلى العلاقة المتقلبة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومؤخراً انفتاحه على التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالإضافة إلى الضغوط من دول الخليج العربي لإنهاء الحرب في غزة، قد تشهد المنطقة تطورات مفاجئة.
تعيين ترامب لصديقه، المستثمر ستيفن ويتكوف، كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط يبرز تفضيله للنهج الاقتصادي في الدبلوماسية الإقليمية. ومن المعروف عن ويتكوف خبرته في مجال العقارات والأعمال، ومن المرجح أن يركز دوره على مبادرات الاستثمار والتنمية، بما يتماشى مع تركيز ترامب على الشراكات الاقتصادية بدلاً من التدخلات العسكرية.
في هذه اللحظة المحورية، لا تعتبر اختيارات ترامب لفريقه الجديد مجرد تعيينات، بل هي إعلانات عن النوايا، لتشكيل مسار الولايات المتحدة داخليًا ودوليًا، وإعادة شعار “أمريكا أولاً”.. سواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ.