أدب
1) يزيد وحبابة:
يروى أن الخليفة يزيد ابن عبد الملك، وقع كلام بينه وبين أخيه مسلمة، (تولى يزيد الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز، لكنه لما أتى شغل باللهو والغناء عن أمور الخلافة)، فدخل عليه أخوه مسلمة وجعل ينصحه ويقول له: : يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ببابك وُفُود الْعَرَب، وَيقف ببابك أَشْرَاف النَّاس، أَفلا تقعد لَهُم وَأَنت قريب الْعَهْد بعمر بن عَبْد الْعَزِيز، وَقد اشتغلت بهؤلاءِ الإماءِ؟ فغضب يزيد وقال لأخيه “لا تنصحني بعد اليوم”، وحزن حزنا شديدا.
فلما أوى إلى فراشه أتته جارية له تدعى حَبَابة، تريد أن تلهو معه وتغني، فقال لها إليكِ عني، فقالت له مادهاك، فأخبرها بما جرى بينه وبين أخيه مسلمة، وأن نصيحة مسلمة أحزنته وأذهبت سروره. قالت له حبابة: “إذن يا أمير المؤمنين هب لي منك مجلسا واحدا”، فقال لها “لك ذلك”.
فخرجت حبابة واستعانت بمَعبَد (هو مغنٍّ مشهور وملحّن مخضرم)، فقصت حبابة القصة على معبد، فقال لها معبد: “الأمر يسير نرسل للأحوص الشاعر ونقص عليه القصة ويقول أبياتا رقيقة وألحنها أنا وتغنينها أنتِ فإذا سمعها أمير المؤمنين عادَ للهو والعبث”، وبالفعل أرسلا إلى الأحوص فكتب الأحوص ثلاثة أبيات، ولحنها معبد لحنا سمع نصارى يغنون به في دير لهم، ولقن حبابة ذلك اللحن ودربها عليه وفي الليل غنت حبابةُ يزيدَ تلك الأبيات، والأبيات هي قول الأحوص:
أَلا لَا تلمه الْيَوْم أَن يتبلدا – فقد غلب المحزون أَن يتجلدا
إِذا كنت عزهاة عَنِ اللَّهْو وَالصِّبَا – فَكُن حجرا من جامد الصخر جلمدا
فَمَا الْعَيْش إِلَّا مَا تلذ وتشتهي – وَإِن لَام فِيهِ ذو الشنان وفنَّدا
لما سمع يزيد هذه الأبيات وغناء حبابة بها بلغ غاية الطرب وجعل يقول: “هذا الحق لا ما يقول أخي مسلمة”، وحينئذ نجحت حَبابة ومعبد في إعادة يزيد إلى اللهو واللعب والتمتع بملذات الملك.
2) عبد الملك والأعرابي:
من قصص الخلفاء أيضا ما أورده القالي في أماليه من أن رجلا من ضبة وفَد على عبد الملك بن مروان، فقال يمتدحه:
والله ما ندري إذا ما فاتنا — طلب إليك من الذي نتطلب
فلقد ضربنا في البلاد فلم نجد — أحدا سواك إلى المكارم ينسب
فاصبر لعادتك التي عودتنا — أولا فأرشدنا إلى من نذهب
فأعطاه عبد الملك ألف دينار، ثم وفد عليه أيضا في العام المقبل فقال يمتدحه:
يُربّي الذي يأتي من الخير إنه– إذا فعل المعروف زاد وتمما
وليس كبان حين تم بناؤه — تتبعه بالنقض حتى تهدما
فأعطاه ألفي دينار، وفي العام المقبل أتاه أيضا فجعل يقول
إذا استمطروا كانوا مغازير في الندى – يجودون بالمعروف عودا على بدءِ.
فأعطاه ثلاثة آلاف دينار.
3) سباق شعري
مما يؤثر عن عبد الملك أيضا أنه عقد مسابقة بن كثير عزة وجميل بثينة وعمر بنِ أبي ربيعة، فسألهم أن ينشده كل واحد منها بعض شعره، فقال جميل:
حلفت يميناً يا بثينة صادقاً – فإن كنت فيها كاذباً فعميت
حلفتُ لها بالبدن تدمى نحورها – لقد شقيت نفسي بكم وعييتُ
ولو أن راقي الموت يرقي جنازتي – بمنطقها في الناطقين حييتُ
وقال كثير:
بأبي وأمي أنت من مظلومة – ظفِر العدوّ بها فغير حالها
وسعى إليّ بصرم عزة نسوة – جعل المليك خدودهن نعالها
لو أن عزة خاصمت شمس الضحى – في الحسن عند موفق لقضى لها
ثم قال عمر بن أبي ربيعة:
ألا ليت قبري يوم تُقضى منيَّتي – بتلك التي من بين عينيك والفمِ
وليت طَهوري كان ريقك كله – وليت حنوطي من مشاشك والدم
ألا ليت أم الفضل كانت قرينتي – هنا أو هنا في جنة أو جهنم
فضحك عبد الملك وقال لحاجبه أعط كل واحد منهم ألفين، وأعط صاحب جهنم عشرة آلاف.
4) أبو عثمان المازني
ومن قصص الخلفاء ما يروى في عهد الخليفة الواثق العباسي، من أن اللغوي أبا عثمان المازني أصابته فاقة، فسأله رجل من أهل الذمة أن ينسخ له كتاب سيبويه على أن يأجره 100 دينار، فرفض أبو عثمان وذلك لأن الكتاب يحوي كثيرا من القرآن مما استشهد به سيبويه، وأبو عثمان لا يريد أن يمكن ذلك الرجل من القرآن مكتوبا لأنه لا يؤتمن عليه.
بالتوازي مع هذا الحدث كان جارية تغني في مجلس الخليفة الواثق وتنشد قول العرجي:
أقوى من آل ظُليمةَ الحزمُ – فالغمرتان فأوحش الخَطمُ
إلى أن بلغت قوله:
أظَلومُ إن مصابكم رجلا – أهدى السلامَ تحية ظُلمُ
فأنكر عليها أهل المجلس وقالوا لها بل الصواب إن مصابكم رجلٌ، لأن رجل خبر إن، وخبرها لا يكون إلا مرفوعا، فأبت عليهم الجارية وقالت سمعت هذا البيت من شيخي أبي عثمان المازني ولا أنشده إلا كما سمعته منه. حينئذ بعث الواثق إلى أبي عثمان ليسمع رأيه في البيت فجيء به، فسأله الخليفة، عن “رجلا” في البيت هي بالرفع أم بالنصب، فقال بل بالنصب، وجعل يشرح له فقال مصابكم هنا بمعنى إصابتكم، فالمعنى إن إصابتكم رجلا كما تقول إن ضربك زيدا، فرجلا مفعول به للمصدر مصابكم، أما خبر إن فهو في آخر البيت ظلم، أي إن إصابتكم رجلا ظلمُ.
فأعجب الواثق بنباهة المازني وسأله إن كان له ولد، فقال نعم لي بنية، فقال له ما قالت لك حين خرجت، قال قالت لي:
أيا أبتا لا ترم بعدنا – فإنا بخير إذا لم ترِمْ،
فقال بم أجبتها، قال قلت لها:
ثقي بالله ليس له شريك – ومن عند الخليفة بالنجاحِ
وهذا البيت لجرير، استشهد به المازني هنا رغبة في كرم الخليفة، فحينئذ قال له الواثق بالنجاح إن شاء الله وأمر له بألف دينار وأعطته الجارية أيضا ألف دينار مكافأة له. فكان المازني يقول: رددنا لله مائة فعوضنا ألفين، وذلك لأنه رفض مائة دينار من الذمي الذي استنسخه كتاب سيبويه.