سياسة
المشهد الحالي: المغاربة والجالية العربية في أمستردام يلقّنون متطرّفين إسرائيليين درسًا بسبب هتافاتهم التي كانت تنادي بإبادة العرب وتستهزئ بموت أطفال غزّة. فعل لم يكونوا ليستطيعوا فعله لو أنّهم كانوا في بلادهم العربية التي أدّت دورها الوطني تجاه دولة الاحتلال حينما استقبلت السفن الإسرائيلية المحمّلة بأسلحة الإبادة التي رفضت استقبالها إسبانيا.
اقتدت حكومة المغرب بحكومة أمّ الدنيا مصر، ورفضتا انتهاك المواثيق الدولية بحرّية الملاحة، في الوقت الذي كانت تلك المواثيق نفسها تنتهك بإغلاق معبر رفح ومعاونة العدوّ بمنع إدخال المساعدات إلى غزة. شعوب عربيّة يحكمها الحكم الجبريّ الظالم يأخذون كسرة الخبز والسكاكين على رقابهم ترتقب، إن تكلّموا أخِذَت كسرة الخبز وذُبحوا من الورد إلى الوريد. في نفس الوقت الذي نشهد فيه انتفاضة شعوب الغرب من أجل دماء إخوتنا نحن.
شوارع أمستردام لم تهدأ منذ حادثة المباراة، لنشاهد الشعب الهولنديّ يغضب ويثور لإيصال رسالة احتجاج وسخط إلى حكومتهم المؤيدة للإبادة، حتّى منعت الحكومة الإسرائيلية سفر مواطنيها إلى هولندا لاعتبارها دولة غير آمنة للإسرائيليين، بينما يستمتع أفراد الموساد بالأمن والأمان والرخاء في شوارع مدن عربيّة أخرى. كلّ هذا يجبرنا للنظر في حالنا؛ شعوب خائفة على لقمة عيشها فتفضّل السكوت عن الحقّ، تتخاذل عن أبسط أنواع الدعم؛ كالتنازل عن كوب قهوة نصرة للمظلومين من أمّتها. يبقى السؤال؛ كيف ستنتصر أمّة الإسلام بهكذا مسلمين؟
ماذا قيل عن شعوب الغرب في زمن الرسول ﷺ والصحابة؟
قبل أن نتعجّب لانتفاضة الغرب، فلنرجع إلى ديننا الذي بات مرجعنا الأخير في زماننا بدلاً من أن يكون دستور حياة أو “دليل المستخدم” الربّاني في زمنٍ تصعب فيه الرؤية. فكلّ ما نراه من الغرب تمّ ذكره في زمن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم، ولعلّ أفضل وصفٍ لهم كان في قول عمرو بن العاص فيهم: عن المستورد الفهري رضي الله عنه أنه قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه: “أقول لك ما سمعت من رسول الله ﷺ: “تقوم الساعة والروم أكثر الناس. فقال له عمرو بن العاص:” أُبصر ما تقول: إن تكن قلت ذاك؛ إن فيهم لخصالاً أربعًا: إنهم لأسرع الناس كرة بعد فرة، وإنهم لخير الناس لمسكين وفقير وضعيف، وإنهم لأحلم الناس عند فتنة، والرابعة حسنة جميلة، وإنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك.” وهذا تحديدًا ملخّص ما نراه اليوم في شوارع المدن الغربيّة.
الاستبدال في القرآن
ورد مصطلح الاستبدال في القرآن في موضعين، الأول في سورة التوبة: “إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا”، والثاني في سورة محمّد “أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم”.
فالمفهوم الاصطلاحي لكلمة استبدال هي السنّة التاريخية في كتاب الله التي تجري على الأمم المكلّفة برعاية التكليف الإلهي بالخلافة في الأرض وحمل راية الإسلام. وخلافة الأرض هي أمانة ربّانيّة حملها الإنسان بحسب استعداده التكويني الذي خلقه الله عليه.
هل استحققنا الاستبدال أم بعد؟
اجتمعت في زمننا معًا كلّ الفتن التي أهلك الله عشرات الأقوام واستبدلهم بسببها منذ بداية الخليقة. انتشر بيننا الربى والكيل بالميزان والزنا واللواط والشذوذ بأنواعه والإلحاد وعبادة الشياطين…الخ في المقابل تجدنا نخاف تغيير المنكر مختارين بذلك أضعف الإيمان وهو الاستنكار بالقلب. فلمَ لا نستحقّه؟ علاوة على ذلك، فإنّ الهدف من خلق الله لنا في الأرض هو الخلافة والاستخلاف، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة} والعبادة وحمل الرسالة لقوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وفهم سبب خلق الله لنا يعدّ بمثابة المعيار الذي نقيس عليه مدى استحقاقنا للاستبدال كأمّة، فهل فعلاً استحققناه؟ الجواب يكمن في فهم الركن الأساسي للاستبدال، ألا وهو التولّي كما ذُكِرَ في الآية من سورة محمّد: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ والمقصود بالتولّي هنا هو الإعراض والانصراف عن دين الله وحمل رسالة الإسلام، أي؛ الإعراض عن والفشل في تأدية الهدف من خلقنا على الأرض.
ومن أمثلة الإعراض عن دين الله والابتعاد عنه في أيامنا هذه يبدأ بتحوّلنا إلى أشباه مسلمين بتبنّينا لثقافات وعلوم وسياسات الغرب وأسلوبهم في الحياة. حتّى أنّ حكوماتنا باتت تحكم بدساتير قائمة على مواثيق غربيّة رغم أنّنا نملك دستورًا إلهيًّا شاملاً متكاملاً بين أيدينا. أعرضنا عن تعاليم ديننا في كل مناحي الحياة كأفراد، وحكوماتنا أعرضت أيضًا عن حمل راية الإسلام وخلافة الأرض حينما باتت (إلّا من رحم ربّي منها) تتسابق إلى إرضاء الغرب بكسر الأرقام القياسية بأطول الأبراج وأكبر الموائد وأفضل مهرجانات الفسق. حتّى أنّ مناهج مدارس أطفالنا الدراسية باتت توضع حسب معايير الغرب من قبل اليونسكو حتّى تُعتمد فتندرج الدولة من ضمن الدول المتقدّمة في مناهجها العلمية لتحصل على تمويل أو تحتلّ مراتب عالمية.
وهكذا سلّمنا أنفسنا لفتن آخر الزمان التي تحدّث عنها رسولنا الكريم دون أدنى مقاومةٍ منّا، فسرنا مع التيّار الجارف تمامًا كالغثاء. جعلنا الدنيا أكبر همّنا فلهثنا وراء تأمين المستقبل المادّيّ ونسينا تأمين مستقبلنا روحيًّا وإيمانيًّا. وجعلنا الدنيا مبلغ علمنا فصرنا نبحث عن تفسير الكون من خلال العلوم الدنيوية، حتّى وصل بنا الحال لنقول في بعض الاكتشافات الكونيّة المذكورة في القرآن منذ ١٥٠٠ سنة: “العلم يثبت الإعجاز القرآنيّ” متناسيين أنّ القرآن هو ما يثبت العلم لا العكس! كلّ هذا وغيره من التعلّق بالدنيا أمات قلوبنا حتّى بات انتهاك ديننا وحرماته كبيوت الله وأولى القبلتين لا يحرّك نخوتنا كمسلمين، فتجدنا نشاهدها تُبثّ على الشاشات، فنهزّ برؤوسنا مستنكرين إن كان فينا القليل من الخير المتبقّي، ثمّ نواصل أيامنا وكأنّ شيئًا لم يكن. وللأسف نحن من قال الله تعالى فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}.
وفي مقابل كلّ هذا التعلّق بالدنيا والغفلة عن تأدية الرسالة، نتفاجأ بشعوب الغرب تنتفض لمن هم أقرب إلينا منهم، ولمن نحن أحقّ بهم بأن ننصرهم منهم. حرّكتهم إنسانيّتهم فما بالنا لو كانوا مسلمين؟ فكيف ستكون حميّتهم على دينهم إن كانت هكذا وهم ليسوا بمسلمين بعد؟ وعودة إلى مصطلح الاستبدال في القرآن، فإنّه تسليم راية الله من يد قوم إلى غيرهم، وليست شرطًا أن يتمّ الاستبدال بالهلاك، فقد يكون بالترف والانحطاط والهوان الشديد كما نرى في حالنا.
التمكين
استبدال قوم مقرون بتمكين قوم آخر، وهنا يمكننا أن نقول أنّ الاستبدال مقرونٌ بالنّصر، لكنّ النصر هنا ليس لنا نحن العرب، بل للإسلام. فالإسلام عزّة لمن يحمله، ومذلّة لمن يخذله ويبتعد عنه. فضلاً عن ذلك، فإنّ موضعيّ ذكر الاستبدال في الآيتين السالف ذكرهما قد وردا في سياق النصر والنصرة أيضًا. فالربط هنا بين الاستبدال والنصر ليس بتحليل شخصيّ، بل هو ربط قرآنيّ إلهيّ. وفي هذا الإطار فالمعادلة بسيطة؛ من ينصر الله ينصره، والفئة القليلة التي فهمت كلّ الذي سبق هم فتية النّفق الذين فضلوا طريق الله سبحانه وتعالى على الدنيا وترفها الزائل. لكن عودة إلى القوم الذين قد نستبدل بهم، أيعقل أن يكونوا شعوب الغرب؟ وهل هناك أدلّة على ذلك في السنّة؟ وما علاقة كلّ هذا بزوال إسرائيل؟
أحاديث آخر الزمان في الاستبدال وعودة الخلافة الإسلاميّة على نهج النبوّة
لمن يقرأ في أحاديث آخر الزّمان التي تمّ تحييدها كثيرًا في المناهج الدراسية وخطب الجمعة، رغم احتوائها على كنوز تضمن للمسلمين النجاة حينما تشتدّ بهم الفتن وينتشر البلاء بينهم، سيعلم جيّدًا أنّ العرب سيهلكون أوّلاً ثمّ الفرس لقوله صلّى الله عليه وسلّم: “لعن الله كسرى إن أول الناس هلاكاً العرب ثم أهل فارس”، وأنّ من يتبقّى منهم سيكونون قلّة وجلّهم في بلاد الشام التي تُمزّق اليوم، لحديثه ﷺ في صحيح مسلم: عن عبد الله بن عمرو، قال: “يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلّا لحق بالشام” (حديث صحيح على شرط الشيخين).
ورجّح علماؤنا أن سبب هلاك العرب هي انتشار الفتن والبلاء والحروب في المنطقة وإعراضهم عن أمر الله بالنّفير ونصرة دينه. كما أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر الحقبة الزمنية التي نحن فيها الآن بشكل صريح جدًا في أحاديث كثيرة، منها حديث الخلافة الراشدة الذي استعرض لنا مراحل الحكم في بلاد المسلمين: روى الإمام أحمد في المسند حُذَيْفَةُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: { تكونُ النُّبوَّةُ فيكُم ما شاءَ اللَّه أن تَكون، ثمَّ يرفعُها اللَّه إذا شاء أن يرفعَها، ثمَّ تَكونُ خلافةٌ على منهاجِ النُّبوَّةِ، فيَكونُ ما شاءَ اللَّهُ أن يَكونَ، ثمَّ يرفعُها إذا شاءَ أن يرفعَها، ثمَّ يَكونُ مُلكًا عاضًّا، فيَكونُ ما شاءَ اللَّهُ أن يَكونَ، ثمَّ يرفعُها إذا شاءَ أن يرفعَها، ثمَّ تَكونُ خلافةٌ على مناهج نبوَّةٍ}.
وحديث آخر: عن النبي ﷺ قال: {سيكون بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا، ثم يؤمر بعده القحطاني. فوالذي بعثني بالحق ما هو بدونه}. ربطًا بهذا، قد ذكرنا سلفًا قول الرّسول أنّ الساعة تقوم والرّوم أكثر النّاس، وأنّ العرب سيهلكون ويبقى منهم القليل في الشّام، لكنّ الغلبة والعزّة ستعود للإسلام وستعود معها الخلافة على نهج النبوّة وهذا والله أعلم بظهور المهدي المنتظر. وتعليقًا على ذلك، يقول ابن كثير بعد التمحيص في أحاديث آخر الزمان في كتابه البداية والنهاية (الملاحم والفتن): “وهذا دليل على أنّ الرّوم يسلمون في آخر الزمان”.
زوال إسرائيل
من جميل هذا العام المليء بالمحن على الأمّة أنّه أعاد المسلمين إلى قراءة كتابهم والتمعّن فيه وفهمه، وعرّفهم ذلك أنّ هذا الكتاب هو المنجى الوحيد من هذا العالم الظالم المتهالك. فبعد العدوان، شهدنا موجة كبيرة من العودة لقراءة القرآن الكريم وبالتحديد سور معينة لمحاولة استشفاف بصيص نور بالمستقبل القريب الذي نراه مظلم. ومن هذه السور، سورة الإسراء التي تحدّثتنا أنّ الله سبحانه وتعالى قضى على بني إسرائيل أن يفسدوا في الأرض مرّتين، وأنه سيسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب بعد كلّ إفساد؛ لقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا 4 فَإذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا 5 ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا 6 إنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا 7 عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدتُّمْ عُدْنا }.
ومن يقرأ في التفاسير سيعلم أنّ أهل العلم أجمعوا على أنّ الإفسادتين والعقابين قد مضوا في أزمنة ما قبل الإسلام من تاريخ بني إسرائيل، وأنّ القوم الأشدّاء كانوا أيضًا قبل الإسلام. برّر ذلك بعض علماء عصرنا الحديث، كما قال الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي، الذي أرجع ذلك إلى كون المفسرين قديماً “كانوا يعيشون في نظام إسلامي قائم، وقد نظروا في اليهود، فإذا هم مجموعات من الأفراد المشتتين الأذلاء الضعاف، لا يتصور أن يكون لهم كيان في المستقبل، ولا أن يقع منهم علو وإفساد في الأرض، ولهذا توجه هؤلاء إلى التاريخ اليهودي القديم، فاستقرؤوه، وبحثوا فيه عن الإفسادين المذكورين، فقالوا ما قالوا.
فضلاً عن ذلك، هناك الكثير من علماء عصرنا باتوا يحثّون على القراءة في التفاسير المعاصرة للقرآن الكريم لوضوحها وتطابقها مع الأحداث التاريخية الحديثة التي حصلت في عصرنا. ومن العلماء الذين ذهبوا إلى أنّ الإفسادة الثانية لبني إسرائيل هي احتلال اليهود لأرض فلسطين وإفسادهم الحرث والنسل فيها؛ الشيخ متولي الشعراوي في تفسيره الذي أكد فيه أن الإفساد الثاني لبني إسرائيل هو “ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم. وهذا هو المراد من قوله تعالى {َفإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}”. وبهذا جزم عبد الكريم الخطيب في تفسيره المسمى «التفسير القرآني للقرآن» حيث قال “إننا لنقطع عن يقين أن بني إسرائيل معنا اليوم، واقعون تحت قوله تعالى {َإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} وإذن فالجولة التالية بيننا وبين بني إسرائيل، هي لنا، وسندخل المسجد إن شاء اللّه كما دخلناه أول مرة، وسنخزي القوم ونعرّيهم من كل ما لبسوا من أثواب الزهو والغرو.
وعزّز هذا التفسير أيضًا الأستاذ بسام جرّار في بحثه “زوال إسرائيل نبوءة قرآنية أم صدف رقميّة؟”، وغيرهم الكثير من علماء عصرنا ممن أيّد تفسير أنّنا نعيش الإفسادة الثانية، وأنّ نهايتهم قريبة جدًا. وهناك رأي أوسط للدكتور طارق سويدان، حيث لم يأخذ فيه بإجماع المفسرين الأقدمين ولا المعاصرين. اختزل رأيه في قوله: “أرى – والله تعالى أعلم – أن المرة الأولى هي التي نعيشها اليوم، وهي العلو الأول، وسيأتي على دولة اليهود هذه عباد لله يخرجونهم من فلسطين، غير أن اليهود سيتجمعون وينصرهم العالم ويمدهم بالأموال، وينصرهم اليهود المنتشرون في باقي العالم، فيكونون أكثر نفيراً بالنصرة العالمية لهم، فينتصرون علينا. وبعدها يأتي وعد الآخرة أي المرة الثانية، والتي سنتغلب فيها نهائياً على اليهود ونخرجهم إلى غير رجعة من أرض المقدس. ويظل الأمر كذلك إلى حين خروج المسيح الدجال الذي يؤيده اليهود آنذاك، فيسيطر على الأرض ومنها فلسطين، وتكون نهايته على يد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في مدينة اللد في فلسطين قبيل قيام الساعة، والله أعلم”.
وآخرًا، ما وددت قوله من هذا المقال التفصيليّ، هو أنّه إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر أين أقامك، أو فيما استعملك. فإن كنتم ممن يخافون مناصرة الحقّ لما سيلحق به وبأولاده من ضرر حكوماتنا الجبريّة، فتذكّر أنّ النّصر يأتي من مناصرة الله، والقوّة كلّها منه، وأنّ الإيمان ثقة بالله، ومن وثق بربّه ما ضلّ أبدًا.
وأنّه لمن الخطأ الفادح أن يظنّ المسلم العربيّ أنّ دين الله بحاجة إلى نصرته، فالله سبحانه وتعالى لو أراد لانتصر لدينه دوننا ودن كلّ هذا الدماء، لكنّ معارك الحقّ تطول حتّى يميز الخبيث من الطيب. وكلمة “يميز” هنا أيضًا من التمييز، أي أنّ نصرته ميّزة لمن اختاره الله ليستخدمه، لقوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}. فإمّا، أيّها المسلم، أن تختار موضعك من الحقّ الآن، أو تسير نحو الهلاك مع تيّار الغثاء، فالسمكة الوحيدة التي تمشي مع التيار، هي السمكة الميتة!