الكاتب: ظاهر صالح
أنهى العدوان الصهيوني على غزة، السبت الماضي 400 يوما من حرب الإبادة المتواصلة والقصف والتدمير والتهجير المستمر مخلفاً أكثر من 43.500 شهيد وأكثر من 102.570 جريح، وسط صمت دولي عن تنفيذ الاحتلال لـما بات يُعرف بخطة الجنرالات في قطاع غزة هي أقل ما توصف بأنها إبادة مكتملة الأركان، وعملية تهجير قسري إجرامية تحت وطأة التطهير العرقي والمذابح والتجويع.
دون أدنى شك أن الصمت الدولي المريب عن ارتكاب المجازر في قطاع غزة يضع علامات استفهام كبيرة يصل حد التواطؤ مع جريمة العصر بحق المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ. في مشاهد تتكرر كل يوم يقف الفلسطيني في غزة حائرًا، مستنزَفًا بين نيران المحتل وخيبة الأمل من عالمٍ يراه ولا يُحرّك ساكنا.
بعد 400 يوم من العدوان الهمجي على قطاع غزة يقف الفلسطيني، ولم يعد هناك خيار إلاّ الصمود والمقاومة، فكل مسارات الحل السياسي لم تفلح، فلا حسابات سياسية ولا ضغط ونداءات دولية ساهمت في ثني نتنياهو على الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار، بل استمر في المراوغة والمناورة وتنفيذ ابتزاز اليمين المتطرف الديني الصهيوني.
فخلال اليوم 400 من العدوان على قطاع غزة، تعيش العائلات الفلسطينية في دوامة لا تنتهي من النزوح والفرار، فكلما ظنوا أنهم وجدوا ملاذًا آمنًا، جاء المحتل ليهدم أحلامهم ويطالبهم بالنزوح مجددًا، بحجة أنّ تلك المنطقة ستتحول قريبًا إلى ساحة قتال. لم يترك الاحتلال أي بقعة في غزة إلا وطالها بجرائمه، المستشفيات، والمدارس، والمساجد، حتى خيام النازحين، كلها أصبحت أهدافًا مشروعة في نظره، ولا فرق لديه بين مقاومٍ ومدنيّ، وأصبحت حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، حرباً مفتوحة في كل المنطقة.
400 يوم، هو عدد الأيام المحسوبة منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” التي ضربت عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وبدأ بعدها التاريخ يكتب قصة صمود شعب عزيز يعشق الحرية والكرامة.
لقد سقط على قطاع غزة أكثر من 85.000 طن من القنابل أمريكية الصنع والصواريخ المدمرة والمتطورة والتي أدت لأكثر من 150.000 بين شهيد وجريح، أغلبهم من الأطفال والنساء، ومازالت فاتورة الدماء مستمرة مع استشهاد أكثر من 184 صحفيا دفعوا حياتهم لكشف الحقيقة، وفضح جرائم الاحتلال وقادته المطلوبين دوليا في جرائم إبادة جماعية في محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية.
خلال الأيام الـ 400 يوما، وقفت جميع الدول الفاعلة في الشأن الفلسطيني والمنخرطة فيه مكتوفة الأيدي أمام المذابح الوحشية، فلم تفلح الوساطات والضغوط الدولية في ثني قادة الاحتلال عن ارتكاب المجازر والموافقة على وقف اطلاق النار في غزة، حيث فشلت كل تلك الضغوط السياسية لفتح المعابر لإيصال المساعدات الإنسانية للقطاع الذي انتشرت فيه المجاعة وخاصة في شمال القطاع.
مع فشل كل هذه الضغوط السياسية على نتنياهو، الذي فضّل التمسك بقشة اليمين الصهيوني للهرب من مصير محتوم وهو السجن بتهم الفساد والفشل السياسي، واختار نهج الهروب إلى الأمام بإشعال واستدامة الحرب وتوسيعها على كل المنطقة، وانتخب لنفسه نهجاً تصعيدياً عن طريق الاغتيالات وقصف المدنيين للتغطية على فشل جيشه بكل عدته وعديده في القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عام.
في يوم 400 من العدوان، مازال الشعب الفلسطيني البطل يرسم لشعوب العالم الطريق نحو الحرية والكرامة، ورفض الظلم والغطرسة الامبريالية التي تأسست على محاور من الأسطورة الفكرية التي أتت بحثالة الأمم ومن شذاذ الآفاق من دول الغرب، لاحتلال وسرقة أرض وتراث غيرهم.
في اليوم ال400، لم يبق طريق لتحقيق النصر إلاّ طريق الصمود والمقاومة وتقديم التضحيات، فهي السبيل الوحيد للحرية والكرامة.