مدونات

دروس من ليلة أمستردام التاريخية

نوفمبر 12, 2024

دروس من ليلة أمستردام التاريخية

الكاتب: عادل العوفي

 

لم يكن يدور في خلد الدكتور مدحت العدل وهو يخط بيده كلمات أحد أشهر الاغاني في تاريخ السينما المصرية والعربية قبل ستة وعشرين سنة والتي تهم فيلم “همام في امستردام ” للفنان محمد هنيدي المصنف كأحد أهم الأفلام التي حصدت شعبية جارفة وأرقاما قياسية حينها في شباك التذاكر ومازالت اصداه تتردد حتى يومنا هذا وبالأخص بعض اللازمات التي يكرر استخدامها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.


 قلنا إنه لم يتوقع الشاعر المصري أنه وبعد هذه السنوات صار ملزما بإعادة صياغة عبارات الاغنية الذائعة الصيت التي تقول بعض كلماتها “عارفين هولندا .. عارفينها” كي تتلاءم مع الواقع الجديد للحضور العربي في العاصمة الهولندية حيث ان كل الانظار توجهت فجأة نحو بلاد “الطواحين” بعد الاحداث التي صاحبت مباراة الاياكس و النادي الصهيوني “مكابي تل ابيب” الذي اعتاد جمهوره على “الطبطبة” الاوربية بعد كل عمل “بلطجي ” يكرره في حله وترحاله بالدول الاخرى التي “ابتليت ” باستضافة مبارياته.


 ما حدث في امستردام ليس سوى غيض من فيض من ممارسات هذا الجمهور الهمجية رغم التعتيم المتعمد من لدن الاعلام الاوروبي “المتحضر” وكلنا شاهدنا ما تعرض له احد المشجعين في العاصمة اليونانية اثينا قبل فترة قصيرة ؛ فقط لأنه التحف بالعلم الفلسطيني ولم يتحرش بأحد ولم ينبس ببنت شفة.


 ما غير المعادلة هذه المرة ان هؤلاء المجرمين {أغلب المشجعين سبقوا لهم العمل في جيش الكيان} وبعد سلسلة استفزازات لا تعد ولا تحصى أولها عدم احترام دقيقة الصمت المفروضة من الاتحاد الاوروبي نفسه بعد فيضانات فالنسيا الاسبانية واصرارهم على اشعال الشماريخ وترديد الاهازيج لإفساد لحظات الصمت التي تعم الملعب ؛ فلماذا يغمض الاعلام الاوروبي  عن هذه النقطة بالذات التي تهم اصحاب العيون الشقراء مثلهم بعيدا عن الشق المتعلق بالعرب والمسلمين “المذنبين ” في كل الحالات دوما من وجهة نظرهم؟ شاهدنا قنوات تحذف مقاطع فيديو بعد أن تأكدت زنها لا تخدم الدعاية الصهيونية، وأنها توثق الحقيقة وتكشف بجلاء اعتداءات هؤلاء على الممتلكات العامة ومهاجمة الناس في الشوارع، وهذا ما حدث مع قناة بحجم “سكاي نيوز” التي وقعت في الفخ وسارعت لشطب تلك المقاطع من صفحاتها، وأيضا مداخلة أحد المواطنين الفرنسيين على إذاعة “مونت كارلو” التي تتباهى بحياديها وموضوعيتها بعد أن ضاق ذرعا بالتحامل الواضح الفاضح على الطرف الآخر العربي/المسلم وتحميلهم كل المسؤولية.


حيث قال بالحرف ملخصا ما حدث بضمير حي: اسمي سبيستيان أنا شخص محايد لا أؤيد أي فريق لكنني اريد منكم فقط ان تكونوا عادلين في ايصال المعلومات للجمهور ؛ انتم تتحدثون عما حدث بعد المباراة لكن لا احد يتحدث عن سلوك الاسرائيليين في اليومين الماضيين ؛ أنهم وصلوا أمستردام يوم الاربعاء ولم يتعرضوا لأي مشكلة ووصلوا بأعداد كبيرة جدا يوم الخميس ولم يتعرضوا لأي مشكلة ؛ ما حدث هو ان المشجعين الاسرائيليين كانوا يقومون بالاستفزاز من خلال الغناء بالموت للعرب ويجب ان يقتل الجيش الاسرائيلي هؤلاء العرب الحقيرين وسخروا من اطفال غزة بالقول لا حاجة للمدارس في غزة لأنه لم يبقى هناك اطفال ؛ ثم بعد ذلك تجولوا في امستردام ومزقوا العديد من الأعلام واعتدوا بالضرب على عرب في الشارع وفي الملعب قاموا بفعل صادم حيث ألقوا صيحات الاستهجان على دقيقة الصمت المخصصة لضحايا الفيضانات في أسبانيان وكانوا يغنون هؤلاء الإسبان حقيرون ؛ جميع ما ذكرته موثق بفيديوهات، لا يمكننا إظهار أن ما حدث للمشجعين الإسرائيليين كان جراء معادة السامية وهم كانوا يقومون بجميع هذه الاستفزازات طوال هذا الوقت.


 المؤكد أن ما ضاعف من هول الصدمة على الصهاينة ومن يدور في فلكهم هو أنهم لطالما نظروا لأمستردام بنظرة اطمئنان، لاسيما في ظل التوغل الواضح لمن يحملون ذات الأفكار السامة داخل جدران الإياكس تحديدا، ولوجود أكثر من 80 ألف يهودي كانوا يعيشون هناك قبل الحرب العالمية الثانية وحتى سنة 1990 كان النادي الهولندي يستقبل مبارياته على ارضية ملعب “ديمير” الموجود في شرق المدينة وتعتبر المعقل الرئيسي لليهود بل ان هناك رؤساء كثر منهم قادوا الاياكس وحمل لاعبون يهود كثر قميصه ؛ دون اغفال ما تعرض له قبل سنوات اللاعبان المغربيان نصير مزوراي وحكيم زياش لانهم يدافعون عن القضية الفلسطينية بكل شجاعة فقد تعرضوا للسب والشتم من الجماهير رغم انهم يمثلان نفس النادي بل وقادوه لنصف نهائي عصبة الابطال الاوروبية حينها وقهروا ريال مدريد في عقر داره.


 بالإضافة الى وجود رسالة اخرى غاية في الاهمية يتجاهلها الكثيرون منا في غمرة الاحتفال بهبة الشباب المغربي والعربي هناك نصرة لفلسطين واهلها وتكمن في تصحيح نظرة خاطئة حول حس الانتماء العالي لديهم واصرار البعض على ربطهم بعوالم الجريمة والانحراف والصاق كل التهم بهم؛ رغم ان الواقع يقول العكس تماما والجاليات المسلمة {قصدت الكلمة لوجود أعداد غفيرة منهم من أصول أمازيغية ولا يتقنون لغة الضاد} يقدمون الصورة المثالية في الاخلاق والالتزام الديني والاخلاص لقضايا الامة مهما حاولت وسائل الاعلام تغييبها.


 دروس تلك الليلة بأمستردام جديرة بأن تروى في صفحات اضافية وتعطي لكل ذي حق حقه لاسيما انها جاءت في الوقت المناسب وافسدت على المهللين من صهاينة العرب واعلامهم العديد من مخططاتهم المخزية ؛ ونختم بالتأكيد على ضرورة طرح نسخة جديدة من اغنية فيلم “همام في امستردام ” ونتمنى صادقين إن يتبرع إعلام العار بترجمتها للعبرية كي تكمل مسلسل الندب واللطم الذي لا يتقنون سواه .. “عارفين هولندا .. عارفنيها .. وأبطال هولندا”.



شارك

مقالات ذات صلة