سياسة

المُرْجِفُون!

نوفمبر 11, 2024

المُرْجِفُون!


أن تكون مسؤولا في موقع رئاسة الجمهورية المصرية في هذه اللحظة تحديدا وجارك يُباد والاستعلاء بالقوة والغطرسة أصبح ديدن الواقع الإقليمي،  راجع معاهداتك مع العدو وافرض سيطرتك على كامل ترابك. تعامل كرئيس وافرض سيادتك بالكامل على ذرة الرمال في أرضك. تصرف بمسؤولية كرئيس لأقوى وأهم دولة في الإقليم ولا تتجاوز أبدا عن الأخطاء.


أما المُرْجِفون كما أسميهم فهؤلاء يروجون دوما لأننا بذلك ندخل حربا مع الكيان الغاصب. يتعامون حتى عن واجبنا التاريخي تجاه فلسطين أو أي من قضايا دول المنطقة. المرجفون لا يحركهم مبدأ أساسي وهو واجبك إزاء حماية أمنك القومي وشخصية مصر كما يليق في قضايا مبدئية كالحق الفلسطيني الثابت وأنك مُلزم أمام شعبك والمنطقة والعالم، بألا تنفذ إملاءات تقلل من حجم مصر وثقلها ومكانتها التي لا تقبل المقايضة على الدم الفلسطيني بأي حجة.


أن تتجرأ إسرائيل على قصف معبر رفح والتعدي على محور صلاح الدين لا يجب أن يمر هكذا دون عقاب أو حتى رادع يضمن أنها لن تتجرأ على ما هو أبعد. إسرائيل كيان هش جدا ومن دون حلفائه لن ينجو. ليس معنى أدائك واجبك أنك تشن حربا أو تشتبك في حرب شاملة أو تنسحب من الاتفاقية مع إسرائيل. لكن حقك في حماية أمنك القومي وممارسة سيادتك على معبر رفح وممر صلاح الدين ليس رفاهية. للفلسطينيين حق لا يمكنك التقصير فيه فهذا واجبك الإنساني والقانوني سواء ببذل كل جهد بعد فرض السيادة الكاملة على معبر رفح البري وإدخال كل ما يحتاج الشعب الفلسطيني البطل تحت القصف والإبادة وجرائم الحرب، أو بالتوسط النزيه حاميا لحقوق القضية الفلسطينية بإعلاء قيم مصر الدبلوماسي والتفاوضية التي لا يشق لها غبار إذا أديرت بشكل جيد..


 القانون الدولي الإنساني يفرض على الجار في حالة الإبادة الجماعية التزامات لم تقم بها السلطة ولا الرئيس. الأدهى أن تعامل السلطة الحالية مع العدوان يضر بالأمن القومي المصري. كارثة ألا تؤمن معابرك وأن تغلق الباب في وجه الفلسطينيين. تحت كل هذا الجحيم الواقع على رؤوس الشعب الفلسطيني، قد لا يجدوا مفرا لهم سوى سيناء. ينبغي أن تستعد لذلك وتدرس الموقف جيدا.


الشعارات التي يرفعها النظام واهية وصماء. الموقف الرسمي المصري لا يتناسب أبدا مع حجم مصر، ولو كانت الحجة هي تقديم أولوية الأمن على إغاثة الفلسطينيين وهذا اعتبار خاطئ ومخز تماما فحرب الإبادة تتصدى لها المقاومة الفلسطينية وتستبسل فيها مقاومة وشعبا. فلسطين كانت الأولوية دائما على أي ميزان أخلاقي أو إنساني أو قانوني وطبعا أمني. البطولة المدهشة للشعب الفلسطيني والإصرار على البقاء على أرضهم ورفضهم لتصفية القضية الفلسطينية أو إجلائهم عن أرضهم مع أن لهم كل الحق في محاولة النجاة خير مثال ومعلم لهؤلاء المرجفين، فالموت أهون على الفلسطيني من التخلي عن أرضه.


لو قسنا الواجب الذي تلزم به مصر ومكانتها وتاريخها ووضعناه على الميزان القانوني وقانون الإنساني الدولي والقانون الإنساني، فهي ملزمة بإغاثة ودعم الشعب الفلسطيني، فقطاع غزة محاصر منذ سنين ومعزول عما حوله بل مفصول عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وغزة. حصار بري وبحري وجوي، إلا من منفذ وحيد هو معبر رفح.


مفهوم الإغاثة الإنسانية عند هذه السلطة في مصر الآن مغلوط مشوه. الإغاثة لا تعني أن أقدم أو أمرر للفلسطينيين ما يبقيهم على قيد الحياة، والمحاولة الرخيصة لتصوير الشعب الفلسطيني البطل  على أنه يتسول أبسط حقوقه خطية كبرى تضاف لخطايا هذا النظام المتعدي على مكانة مصر وشخصيتها. الإغاثة الحقيقية واجب مصر ويلزمه ممارسة كل ثقلك لوقف العدوان.


الحجة الواهية بعدم تمرير شحنات الإغاثة رواية أخرى يروج لها المرجفون هي اتفاقية المعابر وخشية استهداف الشاحنات العابرة من مصر. إذا تصورت هذه السلطة أن الكيان الصهيوني ستبلغ به الحماقة باستهداف شاحنات ترافقها شخصيات عامة مصرية ودولية ويقوده مصريون في حضور الأمم المتحدة فهي إما مغيبة أو متواطئة.


لا يمكن  لأحد أن يزايد أو ينظّر على الفلسطينيين ولا على أي طرف يخوض معاركه على أرضه. فهو وحده من يدفع ضريبة حريته دما طاهرا. كما يجب علينا أن ندرك أن هذه الجولة من قتال الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه واسترداد حرية بمقاومته وشعبه لن تنهي القضية كاملة حالا برغم الاستبسال. موقفي كمواطن مصري و كإنسان هو حل الدولة الواحدة الوطنية التي تتميز بحقوق متساوية للفلسطينيين، وأن يزول عنها الاحتلال لتتهيأ بعد كل هذا الدمار ليوم نراه قريبا لترتيب البيت الفلسطيني على أساس متين كللته كل هذه الدماء الطاهرة الزكية.



شارك

مقالات ذات صلة