في كل مكان حول العالم، تُعتبر الطفولة محطة من البراءة، منارةً للضحك والأحلام، ونبعاً لا ينضب من الأمل والتفاؤل. لكن في غزة، تتوقف عقارب الطفولة عند مشهد الدمار، ويتجمد الحلم في عيون أطفال يحملون من براءتهم عبئاً أثقل من أعمارهم. هم أطفال لا يملكون رفاهية العيش كباقي الأطفال؛ طفولتهم مؤجلة، كما لو أنها حُبست في صندوقٍ مغلق، قيده الفقر والحصار والحرب.
في غزة، حينما تنظر في عيون الأطفال، ترى فيها ما لا يمكن لطفلٍ أن يحمله. تراها مليئة بحكايات من الحزن، وخيبات من الفقد، وملامح من القلق والخوف. أطفال صغار بأعمار تفوق اضعاف أعمارهم الفعلية، وكأنما كل دمعة سالت من وجوههم قد حفرت خريطة للمعاناة في ملامحهم. هم الذين يحلمون فقط بأشياء بسيطة، مثل أن يناموا بلا خوف، أو أن يلعبوا دون صوت القذائف، أو أن يستيقظوا على ضوء الشمس لا على أنقاض منازلهم او ان تكون لحائفهم من القطن لا من رمال مرويه بدماء ذويهم. أن تكون احلامهم تحكي عن مستقبلهم بل أصبحت أقصي أمنياتهم كِسرة خبز.
في حين أن الأطفال حول العالم يلعبون بالألعاب والدمى، أطفال غزة يصنعون ألعابهم من حطام الحرب. دمىً من حجر، كرات من قماش ممزق، وبيوت من تراب يشيدونها وسط الأنقاض. وكأنهم يعيشون في عالم موازٍ، عالم خالٍ من الفرح الحقيقي، حيث يتحول اللعب إلى محاولةٍ للهروب من واقع مؤلم. حتى لو امتلكوا الألعاب الحقيقية، تبقى قلوبهم مثقلة بالخوف من فقدانها في لحظة، كما فقدوا منازلهم ومدارسهم ورفاقهم.
الطفولة في غزة تُخنق تحت رماد الحرب، وتذوب مع كل قذيفة تنفجر. في كل مرة تشتعل فيها الأحداث، يفقد الأطفال في غزة جزءًا آخر من طفولتهم. يسألون أسئلةً لم نكن لنسألها في طفولتنا: لماذا؟ من سيحمينا؟ هل سأبقى هنا غدًا؟ وأحيانًا لا يملكون إجابات، بل يكتفون بالنظر إلى والديهم في صمتٍ يكسر القلب، وكأنهم يتساءلون: “إلى متى سنظل ننتظر الحياة؟”
في غزة، أحلام الأطفال ليست كبيرة؛ لا يحلمون بأن يصبحوا نجومًا أو أبطالًا عالميين، بل يحلمون فقط بيومٍ عادي، يوم بلا قلق أو خوف. وكأن حلمهم الوحيد هو أن يعيشوا حياة طبيعية، حياة تتيح لهم الابتسام من القلب، واللعب بحرية، والذهاب إلى المدرسة بسلام. لكن حتى هذه الأحلام تُعتبر رفاهية في مكان مثل غزة، حيث يختلط الدمار بأبسط مقومات الحياة.