مدونات

الهليكوبتر العربية المتهالكة: ضجيجها أكثر من سرعتها

نوفمبر 8, 2024

الهليكوبتر العربية المتهالكة: ضجيجها أكثر من سرعتها

الكاتب: عادل العوفي


لست ادري ما هذه المفارقة الغريبة العجيبة التي تطاردني هذه الايام؛ فمنذ ان قادتني الصدفة كي اسمع مجددا اغنية “عاش اللي قال” التي غناها العندليب الاسمر “عبد الحليم حافظ ” في اكتوبر سنة 1973 وهي من كلمات “محمد حمزة ” و الحان المبدع ” بليغ حمدي “؛ فجأة اصبحت اسير كلماتها ولو سألت اليوم عن اي اغنية اريد ان تختفي وتزول من الوجود سأختارها فورا وبدون تردد فأي عاقل هذا الذي يعيش هذه المرحلة المصيرية ويمكن ان يتقبل هذا “الهذيان”؟


على سبيل المثال تقول كلمات الاغنية “عاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب ..عاش اللي قال لازم نرجع ارضنا من كل غاصب ..عاش العرب اللي في ليلة اصبحوا ملايين تحارب “.  كم كان الخيال واسعا ؟ وكيف مازال البعض يرددها في كل سنة بمنتهى الحماس ونحن نعيش زمن الخيانة والطعن من الخلف وظلم ذوي القربى لأشقائهم؟


نعم هي مفارقة ان تحتل هذه الكلمات مخيلتي في نفس التوقيت الذي اجتاح فيه كتاب الصحفي الاستقصائي الامريكي الذائع الصيت “بوب وودوورد ” الفضاء والهواء وترجم للغة الضاد بسرعة الصاروخ ليس حبا في صاحبه بل لنقل المأساة والوجه البشع للأنظمة العربية المتورطة في الابادة الجماعية بغزة العزة.


 نعم هي مفارقة ان اجبر على سماع كلمات عن حكمة العرب ونخوتهم وشهامتهم والسفينة “كاترين ” ترسو على اراضينا المصرية العربية وتلوح في وجه ابناءها بعلم الكيان الغاصب مصطفا بجانب النسر المصري وهي محملة بشتى انواع الصواريخ والقذائف التي تخترق اجساد اطفال بعمر الزهور في قطاع غزة الابي.


 نعم هي مفارقة ان اشدو عن حكمة العرب واعلامهم يصف المقاومين الابطال ومن يصونون شرف وعرض الامة “بالإرهابيين” ويعلنون فرحتهم التي لا توصف “بالتخلص منهم” كي يتحقق حلمهم الواهم بالسلام او بالأحرى الاستسلام والانبطاح امام العدو .


 نعم هي مفارقة مؤلمة وفي ذروة القتل والدمار تنشر منابر اعلامية مغربية عن وفد صحفي انتقل للأراضي المحتلة ملبيا دعوة من ؟ تخيلوا.. دعوة المجرم نتنياهو دون حياء ولا خجل واشقائهم في غزة ولبنان يتعرضون للمجازر والقصف بلا هوادة.


 نعم هي مفارقة لا بل نكتة سمجة التغني ببطولات وامجاد العرب الورقية وفي نفس الوقت الذي تباد فيه غزة ينفق “اهل المروءة ” ارقاما فلكية في مهرجانات السخافة والتفاهة ويحضرون مشاهير العالم ويعاقبون كل من استيقظ ضميره و يصدح بالرفض ويعتذر بمنتهى الادب عن الاستمرار في هذا النشاز ويتمادون في تشكيل لوائح سوداء لكل من يجاهر ويشهر راية العصيان والرفض بالتنكيل به وقطع باب رزقه الوحيد.


 صدقا لن يتسع المجال لو اردنا حصر حجم “الفظائع ” التي باتت ترتكب في واضحة النهار وعلى “عينك يا تاجر ” من الاشقاء “المخلصين” للقضية الاولى والمركزية للعرب؛ لكن بفضل “طوفان الاقصى” سقطت كل الاقنعة ووضعت النقط على الحروف ولم يعد هناك مجال للمراوغة والتخفي وادعاء دموع التماسيح التي ما عادت تنطلي احد.


 وبما اننا بدأنا هذه المادة بأغنية؛ فلما لا نختمها بأخرى تلخص حالنا اليوم وبما أن الكل يعرف اوبريت “الحلم العربي ” {صاغ كلماتها الشاعر مدحت العدل ولحنها الثنائي صلاح الشرنوبي و حلمي بكر وقام بتوزيعها حميد الشاعري} التي كانت ترمز في وقت من الاوقات للم الشمل ووحدة العرب المفقودة فهي ايضا لم تنجو من عبث هذا الزمن وتلك الكلمات تقض مضجع البعض لذلك اصروا على انتاج نسخة جديدة منها؛ لكن “بمواصفات” مغايرة اولها التخلص من العبارات التي تتطرق لفلسطين واهلها على غرار” الحب اللي ناره شراره وعيون مليانه بشاره بيعيد تكوين العالم اطفال بايدها حجارة”.


 نعم صارت “اطفال الحجارة ” تشكل خطرا على الناشئة لذلك تعمدوا حذفها وايضا تصوير فيديو كليب اخر مع اطفال يلعبون ويسرحون ويمرحون في جو بهيج بعيدا عن ازيز الرصاص تحت شعارات “السلام والامان ” وغيرها من المصطلحات الرنانة التي تخفيها وراءها غايات اخرى قذرة . طبعا هذا غيض من فيض ما اتحفتنا به الالة الجبارة التي كانت تعمل في الخفاء قبل السابع من اكتوبر ؛ واختبارات غزة الصامدة مازالت تسقط الكثيرين.


نختم بما قاله الكاتب الكبير محمد الماغوط والذي يختصر حالنا اليوم :”العرب كطائرة الهليكوبتر.. ضجيجها أكثر من سرعتها..


شارك

مقالات ذات صلة