سياسة

يكاد المريب يقول خذوني: هل مررت مصر سلاحا لإسرائيل؟

نوفمبر 7, 2024

يكاد المريب يقول خذوني: هل مررت مصر سلاحا لإسرائيل؟

 

 

الأيام الفائتة ثار جدل اشتعل وخَبَى كَلْيلِ الصيف، فالجعبة مليئة وما خفي كان أعظم.  وككل مصيبة تقع على رؤوس المصريين سقطت هذه أيضا بلا مقدمات. هل استقبلت مصر حقا سفينة طردها كل ميناء تقريبا في القارتين الأفريقية والآسيوية بل وحتى في أوروبا تحمل معدات حربية ومواد متفجرة لإسرائيل؟

 

في هذا التحقيق أتتبع السفينة كاثرين وأسأل هل استقبلتها مصر فعلا في قناة السويس؟ هل السلطة المصرية متواطئة بتقديم ذخيرة ومعدات حربية لإسرائيل ولو على سبيل المرور، وأسهمت في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وضد الإنسانية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

اقتفاء وتتبع مسار السفينة وماهية حمولتها

 

في البداية لم يكن صعبا إيجادُ السفينة وتحديد موقعها بوسائل الاستقصاء الصحفي والتتبع. في الثلاثين من أكتوبر الفائت طلب محامون حقوقيون من المركز الأوروبي للدعم القانوني ELSE في التماس عاجل قدموه  للمحكمة الإدارية الألمانية  (Verwaltungsgericht Berlin)، طالبوا بممارسة سلطة المحكمة لمنع شحنة راسية في ألمانيا حاملة مواد متفجرة وذخيرة تفوق ١٥٠ طنا مكعبا على متن السفينة MV Kathrin من الوصول لإسرائيل. أفاد مركز الدعم القانوني الأوروبي بأن محاميه رفعوا دعواهم بالنيابة عن ثلاثة فلسطينيين من غزة. قدم المحامون القرائن على أن الشحنه التي تحملها السفينة كاثرين هي ذخيرة من طراز RDX الحارقة وشديدة الُسمية، وأنها ستساعد إسرائيل على التوسع في حرب الإبادة التي تمارسها في قطاع غزة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في القطاع.

 

مركب RDX هو سلاح سيء السمعة، أصله مركب عضوي يسمى كيميائيا بال Xexogen وتركيبته الكيميائية هي (CH2N2O2)3 وتفوق في أثرها التفجيري مادة الTNT المحرمة دوليا. شركة لوبيكا مارين Lubeca Marine  IMO 9570620 الألمانية التي تمتلك السفينه كاثرين سارعت بالرد على الحقوقيين، نافية تماما أن تكون إسرائيل وجهة السفينة إم في كاثرين MV Kathrin، وأن وجهتها الأصلية كانت ميناء ”بار“ في مونتينيجرو ”الجبل الأسود“ دون إيضاح أين تفرغ Kathrin شحنتها بالتحديد. الثابت أن السفينة ألمانية الصنع والهوية ومدرجة على صفحة الشركة المالكة لها .Lubeca Marine.

 

الإمداد التسليحي لإسرائيل منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣

 

باقتفاء المعدات الحربية التي تسلمتها إسرائيل العام الماضي فقط ووضعتها قيد العمل لارتكاب جرائمها في فلسطين، وجدت أنها ليست المرة الأولى التي تتسلم فيها شركة المقاولات الإسرائيلية Elbit Systems شحنات سلاح وذخيرة ألمانية. تتسع السفينة كاثرين لاستيعاب ثماني حاويات بَحْرية قدرتها الاستيعابية ١٥٠ ألف كيلوجرام من مادة RDX  شديدة الانفجار. بزيارة موقع الشركة الإسرائيلي Elbit Systems وجدت أنها بالأصل مؤسسة لتسليم ذخائر ومعدات حربية لجيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام مواد مثل RDX لتصنيع أسلحة هجومية مثل القنابل الذكية وقذائف الهاون والصواريخ متوسطة المدى، وكلها تستخدم في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة لحد الإبادة الجماعية والأرض المحروقة.

 

استعنت بقواعد بيانات حصر الأسلحة المباعة والمشتراة وحجمها واستهلاك الدول وما إلى ذلك، تنفرد إسرائيل دون دول المنطقة باعتماد سياسية التعتيم بشأن  حوزتها ترسانة نووية، لكن اللافت بالبحث عن حجم صفقات الرسمية المقدمة لإسرائيل في العام الأخير منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ يفوق السنوات الثلاث السابقة لهذا التاريخ مرة ونصف تقريبا. المرصد البحثي كشف لي أن إسرائيل فضلا عما يقارب ٨٠ سلاحا نوويا، حازت العام الفائت وحده على ٣٠ حاملة قاذفات وصواريخ فضلا عن طائرات حاملة للصواريخ وصواريخ طويلة ومتوسطة المدى لم تستخدم بعد.

 

كما استعنتُ بقاعدة بيانات معهد ستوكهولم الدولي للسلام  SIPRI لمعرفة حجم الواردات التسليحية لإسرائيل خلال العام الفائت، كما أعملت أكثر من أداة للبحث لتحديد موقع المواد المتفجرة التي تعد ذخيرة هذا السلاح والتي تطابق تقريبا المادة شديدة الانفجار RDX.

 

بمطابقة الإحداثيات أظن أن قاذفات الصواريخ المحمولة على الكتف كما هو حال ذخيرتها مخبأة في كهوف أو أنفاق بمنطقة ما في شرق القدس المحتلة. كما استعنت في جهدي لاقتفاء وتتبع السفينة كاثرين بقاعدة بيانات LSEG و موقع تتبع الناقلات Marine Traffic وقد أثبت كلاهما أن السفينة كاثرين بالفعل رست لبرهة في ميناء الإسكندرية المصرية.

 

حمولة سيئة الصيت

 

سبق ورفضت ناميبيا رسو السفينة كاثرين في الثالث والعشرين من أغسطس الفائت عام ٢٠٢٤ في موانئها بعد تفتيش السفينة ووجدت حاويات لمواد حربية، معلنة بوضوح ”التزامها بعدم مساعدة أو التواطؤ مع إسرائيل في  جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. ولم تتمكن MS Kathrin من الرسو في أي ميناء بالقارة الأفريقية وعلى ضفاف المتوسط، إذ رفضت أنجولا وسلوفينيا والجبل الأسود ومالطا استقبال السفينة في موانئ أي منها، كما طلبت البرتغال في منتصف أكتوبر ٢٠٢٤ بإزالة علم البرتغال عن السفينة. أمام كل هذا الضغط ورفض دول عدة وفي العلن استقبال السفينة كاثرين، نفت ألمانيا أن تكون إسرائيل وجهة للسفينة على الإطلاق وأنها أفرغت حمولتها في الجبل الأسود مانتينيجرو، وهو ما سبق ونفته الجبل الأسود جملة وتفصيلا.

 

منذ ذلك اليوم أبحرت السفينة كاترين رافعة العلم الألماني. لكنها في أكتوبر من العام الجاري – تحديدا يوم الرابع والعشرين منه وبعد أن لفظتها مالطا خارج مياهها الإقليمية، دخلت السفينة فيما يسمى في الحربية البحرية ”حالة التخفي“ Stealth Mode، بتعطيل كل أجهزة التوجيه بالأقمار الاصطناعية  والإشارة GPS مانعة بذلك تقفي أثرها وتتبعها على الرادارات. لكن صحفيين رصدوا وجودها في ميناء بورتو رومانو في ألبانيا، ورصدوا تفريغها شحنتها باستثناء عشر حاويات، يعتقد أن ثماني منهم تحوي شحنة من RDF في طريقها إلى إسرائيل.

 

بعد هذه الرحلة الطويلة المليئة بالرفض والتبرؤ من التواطؤ مع إسرائيل، حملت كاثرين الشحنة وبينها مواد شديدة الانفجار ومعدات حربية.

 

هل مررت مصر الشحنة إلى إسرائيل؟

 

سوء سمعة الشحنة يكمن في أكثر من دليل. الدليل الأول يكمن في مسوغات كل الدول التي رفضت استقبالها علنا بسبب حمولتها العسكرية وبالامتناع عن تمرير السفينة المشبوهة إلى إسرائيل.

 

والثاني يكمن في تناقض البيانات. المصرية الرسمية. أقول هذا لأن بيانين أحدهما عن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، نفى فيه الأمر جملة وتفصيلا، فلا سفينة ولا شحنة ولا من يحزنون. ناقضه البيان الثاني من وزارة النقل المصرية وكان فاضحا مريبا. إذ قالت وزارة النقل: ” تم السماح للسفينة  KATHRIN البرتغالية الجنسية، والتي ترفع العلم الألماني بالرسو بميناء الإلإسكندرية.“ هذا بالضرورة يكذب ما قاله المتحدث باسم القوات المسلحة، فالأمر ليس ”عاريا“ تماما عن الصحة كما قال. الأدهى والأمر أن وزارة النقل أحبت أن تجيد فسقطت في حبائل التضارب. وزارة النقل أردفت “السفينة تقدمت بطلب رسمي للسماح لها بمغادرة الميناء فى اتجاه ميناء حيدر باشا بتركيا لاستكمال خط سيرها“.  إذا هناك سفينة، وهناك اتصال، وتم استقبال الإشارة ورست السفينة بالفعل على شاطيء الإسكندرية. لكن الوزراة لم تنس الطلب من الجميع ضرورة تحري الدقة في أمور كهذه.

 

يمنع الالتزام باتفاقية الحد من الاتجار بالأسلحة (ATT) أي دولة من أن تساهم إما بالتحالف أو بالتواطؤ في جريمة الإبادة الجماعية الثابتة على إسرائيل رغم محاولاتها النفي، وبتصدير التزام مصر باتفاقية القسطنطينة التي تمنع مصر من السؤال عن هوية الشاحنات والسفن العابرة في مياهها.

 

إذا ضاهينا بين روايتيّ المتحدث العسكري ووزارة النقل فالأمر فاضح في تعارضه لدرجة جعلتنا نقرأ بيانا ثالثا أكثر بؤسا يحاول تفادي الانكشاف من الهيئة العامة لقناة السويس  تعللت فيه بالتزامها بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تكفل حرية الملاحة للسفن العابرة من قناة السويس في وقت السلم والحرب دون تمييز لجنسيتها أو لحمولتها. بل وزادتنا من الشعر بيتا بالتزام مصر بتنفيذ بنود اتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888.

 

إذا هناك سفينة رست على الميناء المصري وتحتاج مصر بشأنها أن تتنصل هي نفسها من اتفاقية وقعتها بداية القرن التاسع عشر المتعلق بحرية الملاحة لتمنع مرور أو رسو السفينة في مياهها المعترف بها.

 

راجعت اتفاقية القسطنطينية التي برأت بها هيئة قناة السويس الهيئة من التواطؤ في جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وتلك ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم. وجدت التالي:

 

١) وقعت القرن الفائت بين أقطاب الاستعمار كما تنص الاتفاقية بديباجة ” إن جلالة ملكة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا وإمبراطورة الهند ، وجلالة إمبراطور ألمانيا وملك بروسيا ، وجلالة امبراطور النمسا وملك بوهيميا وملك المجر الرسولى ، وملك اسبانيا النائبة عنه الملكة الوصية على العرش ورئيس الجمهورية الفرنسية ، وجلالة ملك إيطاليا ، وجلالة ملك الأراضى المنخفضة ودق لكسمبورج ، وجلالة امبراطور سائر الروسين ، وجلالة امبراطور العثمانيين , رغبة منهم فى ان يقرروا ، بصك اتفاقى , نظاما نهائيا يضمن فى كل وقت ولجميع الدول , حرية استخدام قناة السويس البحرية , ويكمل أيضا النظام الذى خضعت له الملاحة بمقتضى فرمان جلالة السلطان المؤرخ فى 22 فبراير 1866 (2 من ذى القعدة 1282) والمصدق على الامتيازات الصادرة من سمو الخديو , قد عينوا مندوبيهم المفوضين , وهم : ……………….. (اسماء مندوبى كل دولة )“.

 

٢) قارنت بنظرة بسيطة لتلك الاتفاقية التي عفى عليها الزمن أستخلص أمرين:

  • وقعت الاتفاقية قبل تأميم قنا السويس.
  • حتى لو أخذنا بالاتفاقية فننظر إلى المادتين الرابعة والخامسة

مادة ٤: “لما كانت القناة البحرية تظل مفتوحة فى وقت الحرب كممر حر , حتى للسفن الحربية التابعة للمحاربين , تطبيقا للمادة الأولى من المعاهدة الحالية , فقد اتفقت الدول السامية المتعاقدة على ان أي حق حربى أو أي عمل عدائى أو أي عمل يكون الغرض منه تعطيل حرية الملاحة بالقناة لا يجوز مباشرة داخل القناة وموانئ مداخلها , وكذلك داخل مسافة ثلاثية أميال بحرية من هذه الموانى , حتى لو كانت الامبراطورية العثمانية إحدى الدول المتحاربة . ولا يجوز للسفن الحربية التابعة للمحاربين أن تتزود أو تتمون داخل القناة , وموانى مداخيلها , إلا للحد الضرورى جدا“

 مادة ٥: ”فى وقت الحرب لا يجوز للدول المحاربة ان تنزل أو تأخذ داخل القناة وموانى مداخلها، قوات او ذخائر او مواد حربية ولكن , فى حالة المانع العرضى داخل القناة , يجوز داخل موانى المداخل , أخذ أو إنزال قوات مقسمة إلى جماعات لا تتجاوز الواحدة منها 1000 رجل مع المهمات الحربية التى تناسبهم“.

 

تتذيل الاتفاقية عبارة: القسطنطينية في أكتوبر سنة ١٨٨٨، ولن أزيد، المريب يكاد يقول خذوني، واللبيب بالإشارة يفهم!

 

 

 

 

شارك

مقالات ذات صلة