سئلتُ كثيرا هذا السؤال إما تقريرا أو استنكارا أو مساءلةً. سئلت مباشرة” ”من يحميك؟ ولماذا تركوك دون عقاب؟“، لكني وعلى أي حال سأجيب نفس الإجابة: ”ألا يمكن أن يكون الظهير الشعبي هو حامي السياسي؟“ هذا ما جرى معي تماما وقيل لي وقد أعنته في حينه.قلت: ”اتركوا أولئك الذين لا ذنب لهم، وها أنا ذا!“ كان ذلك حين أعلنت عودتي من رحلتي القصيرة إلى لبنان لاستكمال دراستي ووضع خطة لخوض الانتخابات الرئاسية التي مًنعت ومُنعت حملتي من خوض غمارها.
اعتبرت وقلت حينها أنني بالعودة أسلم نفسي. فإذا أرادوني فليحاسبوني أنا، فأنا المسؤول. وإذا كانت المسؤولية الأمل في بديل مدني ديمقراطي يخرج مصر وأهلها مما هم فيه إلى مستقبل أكثر عدلا ورحابة وانضباطا ورقابة فيشرفني أن أكون المسؤول. لن أتنصل منها ولن أعود، إما لنهايتي أو لنهاية هذه السلطة. لو جاءكم مقالي هذا وأنا غائب فتأكدوا أن رايتي مازالت في يدي، وأن الله على ما أقول شهيد.
ما قيل لي آنذاك ”لن نصنع منك بطلا، إلى أين ستذهب على أي حال!“ ظل الشعب، لسبب طالما تأملته ودققت فيه يُحاجي علي ويُحوّطني ويحميني بالمحبة والدعم ورغبة حقيقية في التغيير والأمل لأبنائهم، وهو ما زاد مسؤوليتي اليوم تلو الآخر. لقد نلت من محبة الناس وسندهم ودعمهم ما هو أكثر بكثير مما قَدمتُ. وكنت دائما ما أقول لنفسي لعله العشم. وهذا العشم لم يكن عجولا وإن كانت الحاجة إليه حرجة. فهذا الشعب المتهم بالمسالمة والخنوع يعطيك الفرصة لاستكمال ما وعدتهم به. شعب صبور. ويا ويل من يغتر من صبر هذا الشعب.
إذا صدقتك الناس وآمنت بك واستشعرت أنك تحاول – فقط تحاول – ومخلص، منحتك الأمان. أنا لست مستعدا على أي نحو أن أخذل الناس. أهون علي الموت من ذلك. فالأعمار بيد الله ولكل أجل كتاب. لكن أن يعيش الإنسان مكسورا، أو لديه إحساس بأنه خذل أو فرط أو تهاون، هذا الإحساس من أصعب ما يكون ولا تطيقه نفسي.
أتمنى من الله ألا يُكتب علي شيءٌ كهذا وفي الوقت ذاته ألا يحملنا ما لا طاقة لنا به. أرجو من الله ألا يختبرني في أكثر مما أستطيع، وأن يكون نصيبنا من الابتلاء هو ما فات. كل ذلك لا يعني أبدا أنني أدعو لقطيعة مع مؤسسات الدولة. كل ما أدعو إليه بالتأكيد هو شكل من أشكال العلاقة المحترمة. أنا كذلك منذ كنت صحفيا، ونائبا في البرلمان ثم رئيس لحزب ثم ساعٍ للترشح لرئاسة مصر ثم مؤسس لحزب تيار الأمل ووكيلِ لمؤسسيه، حتى كوني مواطنا مصريا يُلزمني بهذه القناعة. كنا دوما منفتحين على الجميع، بما في ذلك مؤسسات الدولة. أنا طرحت نفسي لدور رأس القيادة ضمن فريق لهذه الدولة. هذا التكليف لمن يقبله يلزمه بأن يجد طريقة رصينة للتعامل مع هذه المؤسسات.
لكن ما لم ولن أقبله هو أن تكون علاقتي بالسلطة علاقة أتلقى فيها إملاءات سواء في عملي أو في قناعاتي. والحقيقة أم طبيعتي الواضحة جدا للقاصي والداني لم تضعني في هذا الاختبار. فسلوكي السياسي كان دوما واضحا، وذلك لا يعني أبدا أنني لا أناور ولا غير قادر على إدارة المعارك بتكتيكات وموازنات ومهارات العمل السياسي وإدارة الدولة. لكن يحدني في استخدام الكثير منها ضبط سلوكي بمعايير أخلاقية، فمعرفتي بالمهارة تجنبني الخديعة، ثم إن انضباطك الأخلاقي يمنعك من خداع الآخرين. فالمبدأ لا يتجزأ والسياسي إذا فقد ضميره فقد مصداقيته.
لكل من المعارضة والسلطة دور لا يمكن لأحدهما أن يتملص منه. دور المعارضة هو مراقبة السلطة، ومحاسبتها وتقديم بدائل قد لا تقدمها السلطة لغرض أو لتقصير. في الحالتين هي الملزمة بالحوكمة الرشيدة، التي يمكن للمشرعين والمنفذين والقضاة إخضاعها للاختبار ومعايير الجودة والحكم بنجاحها وبفشلها إما جزئيا أو كليا. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا إذا كانت المعارضة شريكا في تفاصيل العمل السياسي وكل أوجه إدارة الدولة. دور السياسي، خصوصا من أمن فيه نفسه القدرة على أن يكون بديلا ديمقراطيا ومدنيا أن ينغرس في كل تفاصيل الإدارة التنفيذ والمحاسبة، قبل أن يزرع الأمل في آخرين أن الغد آت وأن الأمل تيار لا يمكن مواجهته إذا التحم مع الظهير الشعبي. أما أن تُخضع مؤسسات الدولة إلى حكم الفرد أو البطانة السياسية لهذا الفرد، فلن يتسق لك الحكم وإن طال، والأيام شاهدة.