آراء
منذ الأزل والإنسان ذلك المزيج بين السمات والصفات والأقوال والأفعال إن عاش فترة طويلة في الدعة والراحة ستبدأ بعض الجذور لبعض العادات غير السوية بالتمدد والتغلغل في شخصيته، وسرعان ما سيكتشف كل من يحيط بذلك الإنسان الخطر المتعدي للآثار المترتبة على تلك العادات التي تطورت مع الوقت إلى سمات، ولعل الفضول والتطفل، والشعور بأن الإنسان قادر على الحديث في كل شيء متى شاء وبالطريقة التي يشاء دون اكتراث لأي شيء باتت ملامح واضحة لحياة الإنسان المستغرق في جوانب الترفه والتنعم البعيدة عن التحديات الجادة والظروف الصعبة، ولأن الإنسان في طبعه الانخداع السريع بما يملكه من ممكنات وقدرات توهمه أنه قادر على المضي قدماً في تفسير وتحليل كل شيء وإن فاق ما يتحدث به مؤهلاته وخبراته، ولكنه هو الإنسان ذلك الكائن ذو القابلية الكبرى نحو التكبر والتمرد والطغيان سواء بالتفكير أو القول أو الفعل.
ولعل الصراع الدائم بين طموح الإنسان البعيد عن الضغوطات مع عدم ادراكه لضرورة رسم الحدود والخطوط لما يجب أن يكون عليه سيوقعه في مغالطات وملابسات وضلالات، فالإنسان يجب أن يدرك أن هناك مناطق محرمة عليه لا يمكن له أن يقتحمها ليس لأنها لا تعنيه بشيء بل لأن حاله لا يؤهله لأن يقتحمها ويدلي بدلوه فيها، وهناك مسائل وحوارات ونقاشات ينبغي عليه أن يعرف مبادئها ومراحلها قبل ان يسبح في بحارها العميقة، وهناك حكم إلاهية خفية غير معلومة ليس من الصواب الخوض في بحث التفسيرات لها، وهناك أقدار الله الماضية في كونه وخلقه والتي يجب أن يدرك الإنسان أنه أيضاَ هو أحد تلك الأقدار وليس باستثناء عنها، فلا ضير أن يكون الإنسان صريحاً مع نفسه ويدرك الحجم الحقيقي له حتى يستريح ويريح.
إن تقديرات الموقف للمقاومة الفلسطينية وقراراتها، وخطواتها، وخطاباتها، وتفاهماتها وتحالفاتها تعتبر من المحرمات والممنوعات التي لا يسمح لأي كائن من كان الدخول بها متطفلاً برأيه بل وحتى النصح وتوجيه الرسائل فيها، فهذا المربع حوله العديد من السياجات المرئية وغير المرئية منها والتي ينبغي على الإنسان أن يقف أمام المرآة للحظات حتى يدرك حجمه الحقيقي قبل خوضه فيما يفوق حدود عقله وادراكه من ناحية، ووسعه واستطاعته من ناحية أخرى، ومما يجدر الإشارة له أن شريحة كبيرة من المقحمين لأنفسهم في دهاليز قد تاهوا فيها وتوهوا معهم من يستمع إليهم حسنوا النية والمقصد، فقلوبهم على المقاومة حتى لا تشوب عقيدتهم الدخن وتصير تصرفاتهم مخالفة شرع الله كما ظنوا، ولو أنهم أحسنوا الثقة بمؤسسات المقاومة وان خلفها ما خلفها من العلماء والمفكرين والمنظرين وذوي الرأي والمشورة لما ولجوا وخاضوا، وأما شرار الخلق وشذاذ الآفاق ممن أقحم أنفه في ميادين الأسود وساحات الجهاد بنية سيئة قد تغذت ونمت على الاسترزاق وارضاء الصهيونية فهؤلاء عقولهم وهمومهم منحصرة في كمية الأموال التي ستضخم جيوبهم وأرصدتهم البنكية.
إن السؤال الصحيح الذي يجب أن يسأله كل إنسان قبل أن يضع رأيه في كفة ميزان مقابلة لكفة المقاومة من أنا حتى أخالفهم؟ ومن أنا حتى أكون في الجهة المقابلة وأزن تقديري مع تقديرهم؟ وحينها سيدرك أنه لا يحق له الدخول إلى تلك المنطقة، وهذا ليس من قبيل تكبر المقاومة على غيرهم من سائر المسلمين، بل هو من قبيل أهل مكة أدرى بشعابها، فهناك موانع سبعة أو سياجات سبعة هي ما يجب ان تكون كابحةً لجماح تغول صفات الإنسان التطفلية على مدركاته التي يجب أن تكون لديه، وفيما يلي بيان لتلك الموانع السبعة:
إن قبل تلك الموانع التي توقف الإنسان عند حده هناك مجموعة من المعطيات والتي باتت تشكل جريمةً منظمةً بحق أهلنا في قطاع غزة بما فيه من شعب ومقاومة، فتكالب أعداء الله على شعب غزة في الحرب الوحشية بسلاح قوى الشر حقيقة لا يمكن تجاهلها، والحصار الاقتصادي الذي امتد لأكثر من سبعة عشرة عام، وتخاذل وتواطؤ وصمت الصديق قبل العدو عن الفاشية والإرهاب الصهيوني، ومسارات التفاهمات والمفاوضات والتي غالباً ما تكون على حساب طموحات ورغبات وحقوق أهلنا في غزة، فجميع تلك المعطيات مع الموانع سابقة الذكر توقظ في الإنسان العاقل الحكمة والروية والفطنة حتى لا يكون أداةً في تقويض ما تبنيه المقاومة بسبب قلة وعيه وادراكه لما يجب أن يفعله بالشكل الذي ينبغي عليه فعله، وفي التوقيت المناسب لفعله.
إن أولى ما يجب أن ينشغل به كل محب للمقاومة بدلا من السعي نحو تقويم وتقييم تقديراتها ومواقفها هو كيفية تعظيم أثر العمل الذي يقوم به دعماً وتأييداً لحقوق الشعب الفلسطيني باسترجاع وطنهم بكامل أراضيه من البحر إلى النهر وعاصمته القدس الشريف، فمن كان على ثغر الإعلام حري به أن يطور من وسائله ورسائله حتى تبلغ مبلغاً لم تكن قد بلغته في السابق، ومن كان على ثغر التواصل مع المنظمات الحقوقية والدولية فواجبه أن يطور من علاقاته ويوسع من دوائر تأثيره، ومن كان على ثغر السياسة والدبلوماسية فهذ ميدان واسع لتحشيد المؤيدين وتحجيم عمل المخالفين والمتواطئين والمتصهينين، ومن حباه الله سعة من المال وكان في التجارة والبيع والشراء فهنا الدور يقع على عاتقه في كيفية خنق ذلك الكيان اقتصادياً ومالياً، ومن كان عل ثغر العلم والفتيا فعلى عاتقه أن يبين لعباد الله أحكام دين الله في المبادئ والمستجدات وكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبإذن الله إن قام كل واحد منا بدوره على أكمل وجه سيكون موعدنا مع المقاومة الفلسطينية والذين هم تاج الرأس وماء العين في الأقصى وهو محرر، وسنصلي صلاة النصر معهم جماعةَ في مصلياته وتحت أسواره فاتحين مكبرين مهللين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.