في خضم ما يجري من عنفٍ وحصارٍ وأوجاعٍ متراكمة تقف غزة القلب النابض للصمود شامخةً بين الركام ترفع راية الحق والعزة بوجه الظلم وتعيد تعريف الصبر والقوة. “نصرٌ من الله وفتحٌ مبين” كلمات تتردد على الألسنة هنا أملٌ وحلمٌ يعانق السماء رغم الدمار تحت الأقدام وصمودٌ لا يتوقف عن إعادة رسم هويةٍ وطنية تنبض بالحياة كلما حاول العالم محوها.
صمود غزة أمام الآلة العسكرية تعيش غزة اليوم واحدةً من أشد المراحل التي مرت بها تتساقط البيوت وتهدم الأحلام يُقتلع الناس من أماكنهم وتهتز الأرض تحت أقدامهم إلا أن عيونهم تبقى شاخصةً نحو أفقٍ يستمد طاقته من الماضي ومن الأمل بحياة كريمة حياة حلموا بها وما زالوا يحلمون أطفالٌ ولدوا تحت وابل القنابل تعلموا أن النوم قد لا يأتي إلا مع صوت الانفجارات ونساءٌ ورجال يحملون عبء حياةٍ قاسية فالغزيون باتوا يعرفون معنى العزيمة كأنها جزء من جيناتهم يُولدون بها وينشؤون عليها ويخوضون معاركهم اليومية من أجل أبسط حقوق الحياة.
قوة المعتقد في مواجهة الدمار
“نصرٌ من الله وفتحٌ مبين” لم تكن هذه الآية مجرد كلمات بل هي ركيزة أساسية لكل فرد في غزة صغيرة كانت أم كبيرة يرتدونها درعًا يحميهم من أوجاع الواقع يضعونها أمامهم بقلوبٍ مليئة بالإيمان هذه الثقة بأن هناك نهايةً تليق بهم رغم كل شيء تشكل أساس قناعتهم بأن العدل لا بد أن يأتي من قصص الجدات التي تتحدث عن صبر أيوب إلى الأمل المتجدد بفتحٍ قريب تظل هذه الكلمات محفورة في كل زاوية تشد عضد كل طفل وكل شاب يجد في هذه الكلمات قوة للوقوف رغم العواصف.
غزة والتحدي الإنساني اليومي
التحدي ليس فقط في تحمل القصف بل في المحافظة على تفاصيل الحياة التي تجعلهم بشرًا في عيون أنفسهم المشاهد اليومية لغزة تصدم من يراها لكن هناك خلف هذه الصور تفاصيل لم تُكتب عنها الصحف كفاحٌ يومي لتوفير الغذاء لتأمين المياه والكهرباء لرعاية المرضى الذين تتزايد أعدادهم بشكل مخيف بسبب الحصار وقلة الإمكانيات رغم ذلك تجدهم يحافظون على الابتسامة على زراعة الأمل في نفوس أبنائهم.
كيف نزرع الأمل في أطفالنا؟ سؤال يُطرح في غزة كثيرًا في ظل ظروفٍ تجعل الأطفال أسرى مشاهد القصف والخوف ومع ذلك تجد العائلة هناك تتكامل من أجل تجاوز كل الصعوبات تجد الأب يتحدث بصوت مملوء بالقوة والأم التي تحمل طفلها بين ذراعيها وكأنها تقول للعالم “نحن هنا ولن نتراجع” هذا التضامن العائلي هو سر من أسرار غزة ودليل واضح على أن الشجاعة يمكن أن تكون حاضرة في أحلك الظروف.
الموقف الدولي وتناقضاته
يبقى الموقف الدولي في أحسن الأحوال ضعيفًا وفي أسوئها محبطًا بل ومتواطئًا، العالم كله يرى ولا يتحدث إلا ببيانات مستهلكة، بعضهم يغض الطرف والبعض الآخر يدين من باب المجاملات السياسية لكن الشعب الغزي يعرف جيدًا أن الاعتماد على المواقف الدولية أشبه بالبحث عن واحة في صحراء جرداء، لقد تعلموا أن العزيمة التي يحملونها هي طوق نجاتهم وليست الاجتماعات أو التصريحات التي لا تملك سوى الحبر على الورق.
غزة ليست فقط مدينة تحت الحصار بل هي مشهدٌ عالمي لكيفية تجاهل المجتمع الدولي لمبادئه الأساسية المبادئ التي يتغنى بها في اجتماعاته ومؤتمراته لكنه يغض النظر عنها حين يتعلق الأمر بأبسط حقوق الفلسطينيين.
أمل رغم المحن
تبقى غزة مثالًا حيًا على قدرة الإنسان على الصمود مهما كانت الظروف قاسية هي رسالة للعالم بأن الحق لا يسقط مهما طال الزمن وأن العزيمة تصنع المعجزات ورغم كل الدمار، رغم كل الصعوبات تظل غزة صامدة حاملةً في قلبها “نصرٌ من الله وفتحٌ مبين”.