مدونات
الكاتب: كرم الدين حسين
يبدو أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للمغرب، والتي وصف فيها حركة حماس بالإرهابية وعملية طوفان الأقصى بالهجمات البربرية، قد أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية. فالسؤال المطروح هنا: هل كان هذا التصريح عفوياً نابعاً من موقف مبدئي لفرنسا، أم أنه يدخل ضمن لؤم سياسي يهدف إلى إحراج المغرب؟ خاصةً أن هذه التصريحات جاءت في سياق زيارة مهمة تتزامن مع اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، مما جعل الموقف المغربي الرسمي مقيداً إلى حدٍّ ما، في ظل الحساسيات المرتبطة بهذه الملفات.
التوقيت المثير للجدل ودلالاته السياسية تصريحات ماكرون تأتي في توقيت دقيق، بعد أحداث السابع من أكتوبر وما رافقها من تداعيات دولية واسعة. وبهذا السياق، قد يظهر ماكرون وكأنه يسعى لاستغلال هذا الملف الشائك لتحقيق مكاسب سياسية داخلية ودولية، دون مراعاة للتوازنات الدقيقة التي تحكم العلاقة بين المغرب وفرنسا. فإثارة قضية تصنيف حماس كحركة إرهابية أمام البرلمان المغربي لا تتماشى مع السياق السياسي للعلاقات المغربية الفرنسية، التي ترتكز تقليدياً على مواضيع مثل التعاون الاقتصادي والأمني، دون التطرق لقضايا ذات صبغة إقليمية أو دولية لا تهم العلاقة الثنائية بشكل مباشر.
الأسباب التي تدعم فرضية التلاعب السياسي من الأسباب التي قد تدفع للاعتقاد بأن تصريحات ماكرون لم تكن بريئة، هو يدرك أن الحكومة المغربية الرسمية قد تكون غير قادرة على إصدار رد فعل حاسم أو معارض لهذه التصريحات. فالمغرب، بفضل اعتراف فرنسا بسيادته على الصحراء، يجد نفسه ملزماً بتجنب الدخول في صدام مباشر مع باريس في الوقت الحالي.
هذا الوضع يطرح تساؤلات حول استغلال ماكرون لهذه القيود الدبلوماسية لتحقيق أهداف سياسية، وربما الضغط على المغرب ليقف موقفاً متحفظاً تجاه بعض القضايا الإقليمية. أما السبب الثاني، فيتمثل في تغطية الإعلام الفرنسي لزيارة ماكرون للمغرب، إذ أشار الإعلام الفرنسي، وبخاصة قناة فرانس 24، إلى أن المحادثات بين الملك محمد السادس وماكرون تناولت الوضع الإنساني في فلسطين، وذلك بصفة الملك رئيساً لبيت مال القدس، دون الإشارة إلى التصريحات المثيرة للجدل حول حركة حماس.
ويظهر هذا التجاهل الإعلامي وكأنه محاولة فرنسية للحفاظ على صورة ماكرون كحليف للمغرب، وفي الوقت نفسه تسويق رسالة سياسية مشحونة بأجندة معينة دون التأثير المباشر على العلاقات الثنائية. الخصوصية الدبلوماسية للعلاقة المغربية الفرنسية من المعروف أن المؤسسة الملكية في المغرب لا ترغب في أن تُستَخدَم كمنبر لمواقف سياسية تعتبر حساسة للشعب المغربي، خاصة تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية. لذلك، فإن ماكرون لم يُدل بهذه التصريحات في لقاء جمعه مع الملك، بل اختار البرلمان كمنصة سياسية لذلك، وهو اختيار محسوب يراعي حساسيات العلاقة بين البلدين.
في حين نجد أن الإعلان الرسمي عن التطبيع بين المغرب وإسرائيل، على سبيل المثال، جاء بلسان الحكومة المغربية، رغم أن القرار ينبع من المؤسسة الملكية، وهو ما يعكس تعقيد الديناميكيات السياسية والدبلوماسية التي تحكم هذه القضايا الحساسة.
ما بين الحفاظ على العلاقات ومواجهة ضغوط الداخل والخارج يجدر الإشارة إلى أن ماكرون يواجه ضغوطاً داخلية متزايدة من القوى السياسية في فرنسا بشأن موقف بلاده من القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الأحداث المتصاعدة في غزة. وتوجيه اتهامات لحماس بالإرهاب أمام البرلمان المغربي يتيح له إرضاء طيف من القوى السياسية الفرنسية التي تسعى إلى تشديد السياسة تجاه الحركات الإسلامية، مما يجعله يظهر بموقف صارم يخدم مصالحه السياسية الداخلية.
ومع ذلك، فإن هذا الموقف يحمل مخاطره الدبلوماسية، فالمغرب يتمتع بعلاقات وثيقة مع الفلسطينيين، ويحظى بدور محوري في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس، وهو ما يشكل قاعدة دعم شعبي قوية للقضية الفلسطينية بين أوساط المغاربة.
وبالتالي، قد تكون تصريحات ماكرون في هذا السياق بمثابة مقامرة دبلوماسية، إذ قد تؤدي إلى توتر في العلاقة مع الشارع المغربي، حتى وإن حافظت الحكومة المغربية على موقف هادئ. التوازنات الحساسة في اللعبة الدبلوماسية إن تصريحات ماكرون بشأن حماس وعملية طوفان الأقصى لا يمكن فصلها عن سياق العلاقة المعقدة بين المغرب وفرنسا، والتي تقوم على توازنات دقيقة.
فالمغرب من جهته يسعى لتعزيز دعمه الدولي لملف الصحراء، بينما تستغل فرنسا هذا الدعم لتعزيز مصالحها في المنطقة. ومع ذلك، فإن أي تحرك فرنسي للتأثير على الموقف المغربي من القضية الفلسطينية قد يولد تفاعلات غير متوقعة في الشارع المغربي، وقد يُضعِف من شعبية فرنسا لدى قطاعات واسعة من المغاربة.
في نهاية المطاف، قد تكون تصريحات ماكرون أداة سياسية مزدوجة، فهي من جهة تخدم مصالحه الداخلية بتوجيه رسالة إلى معارضي حماس في الداخل الفرنسي، ومن جهة أخرى تستغل الظرف الحساس بين المغرب وفرنسا لتحقيق مكاسب دبلوماسية.