مدونات
الكاتب: رامي حلبي
كما تقدم لنا غزة الأمثولة في كل شيء، بدءا من تحصيل الأفكار من شتاتها، أفكار مقاومة للانهزام ومؤججة للاندفاعات وملتزمة بموضوعات وقضايا مصيرية محددة، كذلك لملمة شذرات الأبعاد والتصورات. للغزيين كما يرون أنفسهم من نسيج مجتمع فلسطين الحرة، وفلسطين الساعية إلى الحرية والسيادة من براثن محتل شرس منغمس في عدوانه، ككائن طفيلي بكتيري يتغذى ويقوى على مقدراتهم، إلى قراءة الواقع كما هو، من استطاعة متصاعدة للتفكك عن سيطرة ديموغرافية و جيوسياسية بالفرض، لا بالتغلغل والتفكيك كما تم مع هنود الولايات المتحدة، مَنْ ثَم توجيهه إلى ما يجب أن يكون، عبر استغلال عنصرية العدو في حصارهم وإبعادهم ومحاربتهم بدلا من إحلالهم، وعدم تقبل جسده الطفيلي لبقايا المُضيف المقاوم، وتحويل الأمور إلى نصابها الصحيح ومن التصو، أن المرض هو الذي يجب أن ينتهي، وأن المرض لا يمكن أن يعيش بدون مضيفه، كمتلازمة تلازم العدو وتجعل تحوله إلى كيان طبيعي، أمرا مستحيلاً، سواء مع بقاء غزة مقاومة له، كطبعانية احتلاله، أو تحلله وزواله كاحتلال من التصور الذي ينهي مقاومته تماما، وأن إسرائيل لا يمكنها أن تعيش بسلام دون عداوات.
تقدم لنا غزة كذلك المعرفة حول محتلها، ومحتل احتلالها، وهو الولايات المتحدة، ليس كضالع أساس في المشكلة بالنسبة لهم ولكن كذلك كمشكلة لإسرائيل نفسها، يمكن أن يكون هذا الإفهام مدخلا لفهم العلاقة ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإسرائيل كما أنها لا تريد الحياة لذاتها ككيان طبيعي يعيش في سلام، لا تريد الولايات المتحدة كذلك لإسرائيل الحياة الطبيعية، ففي حقيقة الأمور إن إسرائيل بمضمونها ليست دولة متعددة المؤسسات، بل عبارة عن جيش جرار في مجملها، فقوام جيشها يقوم على عامل أساسي ووحيد، أن الشعب اليهودي كله في إسرائيل وخارجها عبارة عن جند احتياط، نظام بالكامل معسكر يحاول أن يؤدي المختلف من الأدوار الجانبية، تجعل من الكيان الشبه في كل شيء لخدمة الحقيقة الواحدة، فنجد المزارع والاقتصادي والعالم ودونهم، بأدوار رئيسية تترسخ في العقيدة الجامعة بأن كل هذا المجهود في النهاية لخدمة الدور الحربي، وهذه هي الحالة التي تريدها الولايات المتحدة للكيان الذي تدعمه، فعندما تقدم الولايات المتحدة الدعم لإسرائيل في المناح غير العسكرية يكون الأمر من أجل دعم الاستمرار وإنقاذ الدور العسكري الذي يؤديه الكيان المحتل.
لكن لا يجب أن ننسى أن تلك العلاقة كما هي مصيرية لإسرائيل بالخصوص، هي كذلك مصيرية بالنسبة للولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة لا تلعب هذا الدور من تلقاء الإنسانية أو انطلاقا من مبادئ الحرية التي كانت سابقا دعائيات قيامها نفسها على حساب السكان الأصليين في أميركا الشمالية، ولا هي حتى إن أمكننا التصور أنها نوع من التعاطف مع كيان كانت له نفس ظروف النشأة التي نشأت عليها الإمبراطورية الأمريكية، بل الأمر عبارة عن البقاء على رسوخ طاغ في العالم، ضمنه إسرائيل تلعب دور الشرطي الأميركي في الشرق الأوسط.
ومن منطلق الحكمة وحبها، يكون الصمود للشعب الفلسطيني في غزة مبلغ فلسفة رشيدة، هدفها الأصلي والأساسي عيش حياة طيبة، وهي طبيعة السعي إلى حياة الحكمة، وهذا ما تحققه المقاومة حتى وسط احتدام النار واندلاع المعارك وسقوط الأبرياء، من تأمل وتفكير حول الإشكالية الرئيسية والقضية الأهم في الحقل الفلسفي، وهي التساؤل حول إيجاد معنى للحياة، وأن ذلك دور ومهتمة الأحياء المقاومين، وعبر الاعتقاد أن من قضى لم تذهب حياته هباء، بل قد أدى الدور وسلم رايته لمن خلفه، وان كان جل البحث هنا عن أي حياة، لكان مصير فلسطين كمصير الهنود في استراليا وأميركا وكندا وغيرهم من وقعوا بين فكي الكيانات الإحلالية، ولكن المهتمة هنا يكون أعظم مبلغها فلسفي لأنه يتعلق بالاقتران ما بين الحياة والحكمة، هدفها بلوغها عبر التحرر بإذن الله، بلوغ حياة طيبة بالتالي سعيدة بالتالي متقدة بالحيوية والحضارة.