مدونات

إلى العالم: كيف تنامون ونحن نحترق؟

أكتوبر 26, 2024

إلى العالم: كيف تنامون ونحن نحترق؟


الكاتبة: نور الحلو


أحيانًا لا أحتاج إلى الكلمات الكثيرة لأصف ما أعيشه. أود أن أقول ببساطة: أنا خائفة جائعة وبردانة، ثلاث كلمات تلخص معاناة ملايين البشر، ثلاث كلمات تجسد حالة أهل غزة المحاصرة كيف يمكن لهذه الكلمات أن تحمل كل هذا الثقل؟ وكيف يمكن لها أن تعبر عن واقعنا المرير الذي نعيشه يومًا بعد يوم؟ دعوني أصف لكم هذا الشعور الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. في هذه الأيام الباردة أحمل هم البرد الذي لا يرحم أجسادنا الهزيلة في كل زاوية من زوايا غزة هناك عائلات ترتعش تحت بطانيات رقيقة أطفال ينامون على الأرض الباردة وشيوخ لم يعد لديهم القدرة على مقاومة الشتاء الذي بات عدوًا جديدًا يضاف إلى قائمة طويلة من الأعداء نتساءل دائمًا هل سيتوقف هذا الشعور؟ هل ستأتي أيام تحمل معها الدفء والأمان؟ لكن الجواب دائمًا يكون صمتًا مدويًا.


 البرد يقتلنا ببطء، البرد ليس مجرد شعور عابر في غزة، هنا يكون الشتاء قاسيًا أشد قسوة من السنوات الماضية الكهرباء مقطوعة، منذ بداية الحرب والمولدات متوقفة لعدم توفر الوقود، نحن نعيش في ظلام دامس ليال طويلة، والأغطية لا تكفي لتمنحنا الحماية من قسوة البرد الذي يزحف داخل بيوتنا المهدمة (خيمة)، البيت الذي كان يومًا مأوى لنا أصبح فجأة عدوًا آخر نبحث عن زاوية دافئة، لكن الجدران المفتوحة والنافذة المهشمة تتركنا تحت رحمة الرياح الباردة.


 كم من العائلات في غزة لا تجد مأوى يحميها من هذا البرد؟ كم من الأطفال ناموا جائعين وباردين لا يجدون ما يسد رمقهم أو يخفف عنهم قسوة الطقس؟ نعيش في مأساة مستمرة تجعل من أبسط حقوق الإنسان كالشعور بالدفء أو تناول وجبة حلماً بعيد المنال. الجوع يكبر مع كل يوم .. ثم يأتي الجوع هذا الوحش الذي لا يرحم منذ شهور ونحن نعيش تحت حصار لا يترك لنا سوى الفتات الأسواق فارغة والمساعدات قليلة نعد الوجبات بما لدينا وأحيانًا تكون الوجبة مجرد قطع من الخبز اليابس تتساقط دموع الأمهات وهنّ يعجزن عن توفير الطعام لأطفالهن وقلوبهن تنفطر عندما يسمعن أصوات الجوع من بطونهم الصغيرة ماذا يمكن أن نقول لهؤلاء الأطفال؟ هل نعدهم بأن الغد سيكون أفضل؟ ونحن نعلم في قرارة أنفسنا أن الغد قد يكون أصعب.


 الأم في غزة لا تستطيع أن تترك أطفالها جائعين ولكن ماذا تفعل عندما لا تجد في مطبخها سوى القليل من العدس أو الدقيق الذي بالكاد يكفي لوجبة واحدة؟ العائلات هنا تعيش على المساعدات الدولية التي بالكاد تصلنا في هذه الظروف أحيانًا قد تمر أيام دون أن نسمع عن أي مساعدات قادمة الجوع ليس مجرد شعور بل هو كابوس نعيشه يوميًا الخوف المستمر .. أما الخوف فهو رفيقنا الذي لا يفارقنا أبدًا كل يوم نتوقع الأسوأ وكل ليلة ننام ونحن غير متأكدين ما إذا كنا سنستيقظ صباحًا نعيش تحت التهديد المستمر والسماء فوق رؤوسنا ليست سوى ساحة حرب مفتوحة أصوات الطائرات الحربية تملأ الأجواء ونسمع الانفجارات على بُعد أمتار منا في لحظة واحدة قد يتحول بيتك إلى ركام وقد تفقد كل شيء تحبه.


 الخوف في غزة ليس شيئًا يمكن تجاهله هو شعور دائم يجري في عروقنا يتغلغل في كل شيء نفعله الأطفال هنا لا يعرفون معنى الأمان فقد نشأوا وهم يعيشون في ظل الحرب والدمار الخوف أصبح جزءًا من هويتنا نتعلم كيف نتعايش معه وكيف نحاول تجاهله لكن الحقيقة تبقى أنه يظل معنا في كل لحظة. أكتب هذه الكلمات وأخاطب الانسانية وأنا أعلم أنها لن تكون كافية لنقل معاناتنا الحقيقية نحن لا نحتاج إلى عبارات تضامن أو تعاطف بل نحتاج إلى أفعال العالم يسمع عن غزة ويرى الصور والفيديوهات لكنه لا يشعر بما نشعر به لا يعرف كيف يبدو الأمر عندما تكون عاجزًا عن إطعام أطفالك أو عندما ترتعش من البرد في منزلك المهدوم أو عندما يسيطر عليك الخوف من أن تكون أنت أو أحد أفراد عائلتك التالي.


 هل ستبقى غزة مجرد عنوان في نشرات الأخبار؟ هل سيبقى العالم يشاهدنا ونحن ننزف ونموت ببطء؟ يجب أن نرفع أصواتنا يجب أن نطلب العدالة والحرية لأننا لا نستحق هذا المصير نحن بشر مثل كل شخص آخر في هذا العالم لدينا أحلام وآمال لكننا نعيش في واقع يقتل كل شيء جميل فينا. اليوم اكتب واقول: نعم نحن خائفون، نحن جائعون، ونحن باردون ولكن هذا ليس كل شيء نحن أيضًا أقوياء نحن نحب الحياة ونحلم بيوم يكون فيه السلام والعدالة هما الحاكمين لا تطلبوا منا أن نكون صامتين لأن صمتنا لن يغير شيئًا نحن بحاجة إلى أن يرانا العالم حقًا أن يفهم معاناتنا وأن يتحرك لإنهاء هذا الظلم.


 العالم كله مسؤول ليس فقط القادة والحكومات بل كل إنسان لديه قلب ينبض نحن نصرخ من داخل حصارنا نطالب بالعدالة نطالب بالحرية ونطالب بإنهاء هذا الكابوس الذي يطاردنا نحن لن نتخلى عن أحلامنا ولن نتوقف عن الأمل ولكن نحتاج إلى أن يقف العالم معنا ليمد لنا يده ويساعدنا على الخروج من هذا الظلام الذي يغمرنا في النهاية أقول لكم: نحن هنا نحن ما زلنا نقاوم ونحن لن نتوقف.


شارك

مقالات ذات صلة