فنون

تجربة أنْ نتوغّل في المجهول: Interstellar  

أكتوبر 26, 2024

تجربة أنْ نتوغّل في المجهول: Interstellar  

فيلم الخيال العلمي “Interstellar” أو “بين النجوم” الذي أُنتِجَ في عام 2015، هو ملحمة فضائية عاطفية غامرة تجعل فيلم “Gravity” يبدو كطبق مقبّلات يمهّد للطبق الرئيسي القادم. ذلك الفيلم كان قصيرًا وواضحًا، بينما هذا الفيلم عظيم وجريء وجميل بكونه يحكي قصّة مغامرة كونية مدهشة وأقرب للحلم، ومع ذلك هي دائمًا مرتكزة على واقعها الخطير الفتّاك.


هذا هو ثالث أجمل فيلم شاهدته للكاتب والمخرج المبدع “كريستوفر نولان” من بعد فيلميه المدهشين “Inception” و”The Dark Knight”، ومن أجمل ما شاهدت على الإطلاق. إنّه باختصار رحلة في فضاء العلم والزمن والحب والتضحية.


تدور أحداث الفيلم في المستقبل القريب، وكوكب الأرض أصبح ملوّثًا وغير صالح للعيش، مع “كوبر”، المزارع والطيّار السابق في وكالة ناسا، الذي يتم تكليفه بقيادة مركبة فضائية برفقة فريق من الباحثين، للعثور على كوكب جديد للبشر.


“ماثيو ماكونيهي” قدّم أداءً مؤثّرًا جدًّا بشخصية “كوبر”. “آن هاثاواي” قدّمت واحدة من أجمل الشخصيات في مسيرتها السينمائية من خلال شخصية “براند”، وكذلك “جيسيكا شاستين” بشخصية “مورف” الشابة. بقيّة الممثلين، بمن فيهم: “مايكل كين” بشخصية البروفيسور “براند”، و”مات ديمون” بشخصية “مان”، و”إلين برستين” بشخصية “مورف” المسنّة، و”ماكينزي فوي” بشخصية “مورف المراهقة، و”كيسي أفليك” بشخصية “توم” الشاب، و”تيموثي شالاميه” بشخصية “توم” المراهق، و”جون ليثغو” بشخصية “دونالد” ، أبدعوا في أداء شخصياتهم.


النص السينمائي الذي كتبه “كريستوفر نولان” مع شقيقه “جوناثان نولان” هو من أروع وأقوى النصوص على الإطلاق، فالحوارات بين الشخصيات أشبه بمقتطفات من كتاب حِكَم وأقوال مأثورة، بحيث أن كل جملة تعلق في الذهن.


إنّه لأمرٌ نادر أن أشاهد فيلمًا مدّته تقارب 3 ساعات ولا أشعر بمرور الوقت، وأظل محدّقًا في الشاشة ومندهشًا لما أراه من إبداع لا يُوصف، وذلك جعل عينَيَّ تدمعان، ولعلّ من أسباب ذلك أيضًا الموسيقى التصويرية للمبدع “هانس زيمر”، المنسجمة بشكلٍ مذهل مع الفيلم، فقد كانت شاعرية وعاطفية جدًّا.


المونتاج بحدّ ذاته إنجازٌ مبهر بتنقّله السلس بين الأرض والفضاء دون تشتيت المشاهدين، بل على العكس، فقد كان أشبه بحلقة وصل بين الوسطين، كما أنّ المؤثرات الصوتية والبصرية في منتهى الإتقان، ومُشاهدة الفيلم على شاشة IMAX كانت تجربة رهيبة ومتعة بصرية فائقة.


من المؤسف أن الفيلم ظُلِم بشكل كبير في الترشيحات والجوائز، ولم ينل التقدير الذي يستحقه، وهو بلا منازع أفضل فيلم في عام 2014، فقد نال جائزة أوسكار واحدة فقط لأفضل مؤثرات بصرية، وترشّح لـ 4 جوائز أخرى لأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصميم مواقع وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.


والأمر الجدير بالذكر هو أنّ الفيلم حقّق نجاحًا هائلًا في شبّاك التذاكر في أمريكا وبقية دول العالم، بإيرادات تجاوزت 730 مليون دولار، علمًا بأنّ ميزانية إنتاجه بلغت 165 مليون دولار فقط، ولا يزال الفيلم خالدًا في ذاكرة الجمهور، وهو يحتل اليوم مركزًا متقدّمًا في قائمة أفضل 250 فيلمًا حسب تصويت الجمهور في موقع imdb.


الخيوط العاطفية المدمّرة في الفيلم ترفض أن تتم حياكتها بشكلٍ سطحي، وبدلًا من ذلك تتشابك في داخل كابوس مخيف نراه أمام أعيننا. هذا الفيلم يطلب منّا أن نفكّر مليًّا وأن ننظر بتمعّن، لنكتشف أمورًا لا تخطر على بالنا حول الحياة وحول أنفسنا. “بين النجوم” لا يليق به مسّمى “فيلم”، فهو يستحق بجدارة أن يسمّى “تجربة”.. تجربة أن نتوغّل في المجهول ليسحرنا ويخيفنا ويبرز أفضل ما فينا.


شارك

مقالات ذات صلة