مدونات
الكاتب: علي كامل البولاني
يشهد العالم اليوم تنافسًا متصاعدًا بين الولايات المتحدة والصين، حيث تسعى بكين لتعزيز نفوذها عالميًا، بينما تحاول واشنطن الحفاظ على هيمنتها. يظهر هذا التنافس في المجالات الاقتصادية، التكنولوجية، العسكرية، والتحالفات الدولية، حيث تلعب كل قوة بطريقتها الخاصة. تتبع الولايات المتحدة سياسات استباقية لمواجهة التمدد الصيني، في حين تبدو بكين وكأنها تعتمد نهج التريث والمراقبة.
الصراع الاقتصادي والتجاري يمثل الاقتصاد محورًا رئيسيًا في التنافس بين البلدين. صعدت الصين إلى المرتبة الثانية عالميًا اقتصاديًا بفضل نموذجها الإنتاجي الضخم واستثماراتها الدولية، لا سيما في إطار “مبادرة الحزام والطريق”. من جهة أخرى، شنت الولايات المتحدة حربًا تجارية على الصين خلال إدارة ترامب، استهدفت الحد من الممارسات التي اعتبرتها واشنطن غير عادلة. ورغم التوترات التجارية، تمكنت الصين من التكيف مع الضغوط واستمرت في توسيع نفوذها الاقتصادي عالميًا، خصوصًا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. تسعى الولايات المتحدة، بالمقابل، إلى تعزيز تحالفاتها الاقتصادية في المحيط الهادئ وأوروبا لمواجهة هذا الصعود.
الصراع التكنولوجي وتطوير الذكاء الاصطناعي
تخوض القوتان صراعًا محتدمًا على الريادة. يتجلى هذا في المنافسة على تطوير شبكات الجيل الخامس، الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية. حظرت الولايات المتحدة تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين وأدرجت شركات مثل “هواوي” في قوائم سوداء بحجة تهديد الأمن القومي. في المقابل، استثمرت الصين بكثافة في تطوير صناعاتها التكنولوجية لتعويض القيود الغربية، مما يعكس استعدادها لخوض سباق طويل الأمد على الهيمنة التقنية. هذا الصراع يتجاوز الاقتصاد ليؤثر على الأمن والسياسة، حيث تسعى كل دولة لتعزيز سيطرتها على مستقبل التكنولوجيا العالمي.
الأبعاد العسكرية والأمنية
يمثل المجال العسكري جانبًا آخر من التنافس، خصوصًا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تنظر واشنطن إلى بحر الصين الجنوبي كنقطة حساسة، حيث تتحدى بكين الوجود العسكري الأمريكي هناك. تقوم الصين بتطوير قدراتها البحرية والصاروخية لتأمين نفوذها الإقليمي، فيما تعزز الولايات المتحدة تحالفاتها في المنطقة مع دول مثل اليابان وأستراليا والهند. كما يمتد التنافس إلى الفضاء، حيث تسعى القوتان إلى توسيع وجودهما العسكري والاستراتيجي هناك، مما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي.
التحالفات الدولية وإعادة تشكيل النظام العالمي
تسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى بناء تحالفات لتعزيز نفوذهما. الولايات المتحدة تعمل على إعادة تنشيط تحالفاتها التقليدية مع أوروبا وآسيا لمواجهة الصين، فيما توسع بكين نفوذها في العالم النامي من خلال استثمارات ضخمة، لا سيما في إطار “الحزام والطريق”. تحاول الصين أيضًا تعزيز تعاونها مع دول مثل روسيا وإيران، بينما تركز واشنطن على شراكات جديدة لمجابهة النفوذ الصيني. هذا السباق يعكس توجهًا نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث لم تعد الهيمنة الأمريكية مطلقة انعكاسات التنافس على العالم العربي يشكل العالم العربي ساحة مهمة في هذا الصراع. توسعت الصين في المنطقة من خلال استثمارات في الطاقة والبنية التحتية، فيما تحافظ الولايات المتحدة على حضورها العسكري القوي عبر تحالفاتها مع دول الخليج وإسرائيل. تسعى الدول العربية إلى الاستفادة من الطرفين، عبر تحقيق توازن بين الاستثمارات الصينية والدعم الأمني الأمريكي، لكن عليها إدارة هذا التوازن بحذر حتى لا تتحول إلى ساحة لصراع القوتين. فهل نحن أمام حرب باردة جديدة؟
يبدو أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة يعيد تشكيل النظام العالمي، حيث تتجنب بكين المواجهة المباشرة، مفضلة بناء نفوذها بهدوء، بينما تتخذ واشنطن خطوات استباقية لمجابهة صعودها. السؤال المطروح هو: هل ستستمر الصين في نهج التريث، أم أنها ستتبنى مستقبلاً دورًا أكثر جرأة؟ بغض النظر عن المسار الذي سيسلكه هذا التنافس، من الواضح أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من إعادة توزيع القوى، حيث لم تعد الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على فرض قواعد اللعبة الدولية.