مدونات
الكاتب: ظاهر صالح
كان القائد الشهيد يحيى إبراهيم السنوار أحد أكثر الشخصيات الفلسطينية التي تركت فيّ أثراً لا يُنسى، وشخصيته الفريدة وبتاريخه الطويل في التضحيات لأجل القضية الفلسطينية، وتخطيطه لعملية طوفان الأقصى المباركة، فهو الذي اختار أن يحيا لله ويموت لله، فيكون جسده على الأرض وروحه تحلّق في السماء.
ظنّ العدو الصهيوني أنه سيغتاله، وكان يُخطط لذلك ليلاً ونهارا، وأكثر من سنة والاحتلال في تيه وتخبُّط وفشل متكرر، متوهماً أنه سيقبض عليه، فكان بانتظاره في الميدان! وأذاق الشهيد السنوار والمقاومون صنوف العذاب، فقضى بالصدفة، الاحتلال وعد المستوطنين بأنه سيرغمه على الاستسلام، فأرغمه على اللجوء لإجراء فحوص (دي إن إيه)، ليتأكد أنه هو! لقد اتخذ الشهيد السنوار قرار التحرير وكان أهلاً لقراره الحر، تمنى الشهادة ونالها، مسطراً بدمائه دروساً في العزة والكرامة، فهو الذي أحيا أمته في حياته وبعد استشهاده، تاركاً خلفه إرثاً من القوة والصمود والإباء وارثاً من العزة والشجاعة لتقتدي به الأجيال. كان يدرك أن الحياة ليست بطول أيامها، بل بعظمة الرسالة التي يحملها، وأن الموت في سبيل الله أسمى الأماني.
استشهد القائد يحيى السنوار وهو يخوض غمار معركة ضد جنود الاحتلال في حي تل السلطان، استشهد كما يليق بأبطال الأمة، مقبلاً غير مدبر، فوق الأرض لا تحت الأرض، لم يتخندق ولم يتفندق، كما كانوا يروجون الكذب، ولم يترك غزة لحظة واحدة. القائد السنوار في سطور القائد يحيى السنوار رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس، من مواليد عام 1962، اعتقله الاحتلال عدة مرات وحكمت عليه بأربع مؤبدات قبل أن يفرج عنه بصفقة تبادل أسرى عام 2011، وعاد إلى نشاطه في قيادة كتائب عز الدين القسام “الجناح العسكري لحماس.
انتخب رئيسا للحركة في قطاع غزة عام 2017 ومرة أخرى عام 2021، وفي 2024 انتخب رئيسا للمكتب السياسي للحركة بعد اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية. يعتبره الاحتلال مهندس عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي كبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم، فأعلنت أن تصفيته أحد أهداف عمليتها “السيوف الحديدية” على القطاع، والتي جاءت ردا على عملية طوفان الأقصى.
مولده ونشأته
ولد يحيى إبراهيم السنوار يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 1962 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، نزحت أسرته من مدينة مجدل شمال شرقي القطاع بعد أن احتلتها قوات الاحتلال إثر نكبة عام 1948 وغيرت اسمها إلى “أشكلون” (عسقلان). تلقى تعليمه في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية بغزة ويتخرج منها بدرجة البكالوريوس في شعبة الدراسات العربية. نشأ في ظروف صعبة وتأثر في طفولته بالاعتداءات والمضايقات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي لسكان المخيمات. تزوج في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 من سمر محمد أبو زمر، وهي سيدة غزية حاصلة على ماجستير تخصص أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة، له ابن واحد يدعى إبراهيم.
نشاطه السياسي
كان للقائد يحيى السنوار نشاط طلابي بارز خلال مرحلة الدراسة الجامعية، إذ كان عضوا فاعلا في الكتلة الإسلامية، وهي الفرع الطلابي لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. شغل مهمة الأمين العام للجنة الفنية ثم اللجنة الرياضية في مجلس الطلاب بالجامعة الإسلامية بغزة، ثم نائبا لرئيس المجلس ثم رئيسا للمجلس. ساعده النشاط الطلابي على اكتساب خبرة وحنكة أهلته لتولي أدوار قيادية في حركة حماس بعد تأسيسها عام 1987 خلال انتفاضة الحجارة. أسس مع خالد الهندي وروحي مشتهى بتكليف من المؤسس الشهيد الشيخ أحمد ياسين عام 1986 جهازا أمنيا أطلق عليه منظمة الجهاد والدعوة ويعرف باسم “مجد” وكانت مهمة هذا الجهاز الكشف عن عملاء وجواسيس الاحتلال وملاحقتهم، إلى جانب تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن “الإسرائيلية”، وما لبثت أن أصبحت هذا الجهاز النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لحركة حماس. اعتقاله وحياته بالسجن اعتقل لأول مرة عام 1982 بسبب نشاطه الطلابي وكان عمره حينها 20 عاما، ووضع رهن الاعتقال الإداري 4 أشهر وأعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه، وبقي في السجن 6 أشهر من دون محاكمة.
وفي عام 1985 اعتقل مجددا وحكم عليه بـ8 أشهر. في 20 يناير/كانون الثاني 1988، اعتقل مرة أخرى وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل “جنديين إسرائيليين”، وقتل 4 فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع الاحتلال، وصدرت في حقه 4 مؤبدات “مدتها 426 عاما”. خلال فترة اعتقاله تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004. تنقل بين عدة سجون: منها المجدل و”هداريم” والسبع ونفحة، وقضى 4 سنوات في العزل الانفرادي، عانى خلالها من آلام في معدته، وأصبح يتقيأ دما وهو في العزل. في سجن المجدل، تمكن من حفر ثقب في جدار زنزانته بواسطة سلك ومنشار حديدي صغير، وعندما لم يتبق سوى القشرة الخارجية للجدار انهارت وكشفت محاولته، فعوقب بالسجن في العزل الانفرادي. وفي المحاولة الثانية في سجن الرملة استطاع أن يقص القضبان الحديدية من الشباك، ويجهز حبلاً طويلاً، لكنه كشف في اللحظة الأخيرة.
تعرض لمشاكل صحية خلال فترة اعتقاله، إذ عانى من صداع دائم وارتفاع حاد في درجة الحرارة، وبعد ضغط كبير من الأسرى أجريت له فحوصات طبية أظهرت وجود نقطة دم متجمدة في دماغه، وأجريت له عملية جراحية على الدماغ استغرقت 7 ساعات. حرم خلال فترة سجنه من الزيارات العائلية، وصرح شقيقه غداة الإفراج عنه أن الاحتلال منعه من زيارة يحيى 18 عاما، كما أن والده زاره مرتين فقط خلال 13 عاما.
مؤلفاته في السجن
استثمر الشهيد يحيى السنوار فترة السجن التي استمرت 23 عاما في القراءة والتعلم والتأليف، تعلم خلالها اللغة العبرية وغاص في فهم عقلية العدو الصهيوني، وألّف عدداً من الكتب والترجمات في المجالات السياسية والأمنية والأدبية، ومن أبرز مؤلفاته: ترجمة كتاب “الشاباك بين الأشلاء”، لكارمي جيلون، وهو كتاب يتناول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشاباك،ترجمة كتاب “الأحزاب الإسرائيلية عام 1992″، ويعرف بالأحزاب السياسية في “إسرائيل” وبرامجها وتوجهاتها خلال تلك الفترة، رواية بعنوان “الشوك والقرنفل” صدرت عام 2004 وتحكي قصة النضال الفلسطيني منذ عام 1967 حتى انتفاضة الأقصى، كتاب “حماس: التجربة والخطأ”، ويتطرق لتجربة حركة حماس وتطورها على مر الزمن، كتاب “المجد” صدر عام 2010 ويرصد عمل جهاز “الشاباك” الصهيوني في جمع المعلومات وزرع وتجنيد العملاء، وأساليب وطرق التحقيق الوحشية من الناحية الجسدية والنفسية، إضافة إلى تطور نظرية وأساليب التحقيق والتعقيدات التي طرأت عليها وحدودها.
نشاطه السياسي والعسكري
بعد السجن أطلق سراح يحيى السنوار عام 2011، وكان واحدا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل الجندي “الإسرائيلي” جلعاد شاليط ضمن ما سمي صفقة “وفاء الأحرار”، وتمت الصفقة بعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط في الأسر بغزة، ولم ينجح الاحتلال خلال عدوانه الذي شنته على القطاع نهاية 2008 في تخليصه من الأسر. بعد الخروج من السجن انتخب القائد السنوار عضواً في المكتب السياسي لحركة حماس خلال الانتخابات الداخلية للحركة سنة 2012، كما تولى مسؤولية الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي للحركة وقيادة الكتائب. كان له دور كبير في التنسيق بين الجانبين السياسي والعسكري في الحركة خلال العدوان “الإسرائيلي” على غزة عام 2014. عام 2015 عينته حركة حماس مسؤولاً عن ملف الأسرى “الإسرائيليين” لديها، وكلفته بقيادة المفاوضات بشأنهم مع الاحتلال “الإسرائيلي”، وفي السنة نفسها صنفته الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة “الإرهابيين الدوليين”، كما وضعه الاحتلال على لائحة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.
انتخب يوم 13 فبراير/شباط 2017 رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا للقائد الشهيد إسماعيل هنية. حاول في هذه الفترة إصلاح العلاقات بين حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في الضفة الغربية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي في الأرضي الفلسطينية ضمن مصالحة وطنية. عمل أيضا على تحسين العلاقات مع مصر، حيث التقى ضمن وفد قيادي وأمني مع قيادات من المخابرات المصرية في القاهرة سنة 2017، وتم التوصل لاتفاقات حول الأوضاع المعيشية والأمنية والإنسانية والحدود. في مارس/آذار 2021، انتخب رئيساً لحركة حماس في غزة لولاية ثانية مدتها 4 سنوات في الانتخابات الداخلية للحركة. تعرض منزله للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية “إسرائيلية” في مايو/أيار 2021. يوصف القائد يحيى السنوار بأنه شخصية حذرة، لا يتكلم كثيراً كما لا يظهر علناً إلا نادراً، كما أنه يمتلك مهارات قيادية عالية وله تأثير قوي على أعضاء الحركة.
الشهيد يحيى السنوار وطوفان الأقصى
بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح القائد يحيى السنوار المطلوب الأول لدى الاحتلال، إضافة إلى محمد الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام، وأصبح التخلص من زعيم حماس أهم الأهداف الإستراتيجية للعملية العسكرية “الإسرائيلية” في قطاع غزة، والتي أطلقت عليها اسم “السيوف الحديدية”، إذ يعتبره مسؤولون “إسرائيليون” العقل المدبر لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على قيادات من حماس تشمل تجميد أصول وحظر السفر، ومن بينهم القائد السنوار. وأصدرت السلطات الفرنسية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 مرسوما يقضي بتجميد أصول القائد السنوار لمدة ستة أشهر. لم يظهر القائد السنوار علناً خلال تلك الحرب، وذكرت صحيفة “هآرتس” أنه التقى بعض الأسرى “الإسرائيليين” خلال فترة احتجازهم في غزة، وأخبرهم بلغة عبرية سليمة أنهم في المكان الأكثر أمانا ولن يتعرضوا لأي مكروه.
في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلن نتنياهو محاصرة قوات الاحتلال منزل القائد السنوار لكن لم يتم الوصول إليه، ويعتقد مسؤولون في قوات الاحتلال أنه يدير العمليات مع باقي قادة الجناح العسكري لحماس من داخل شبكة الأنفاق التي بنتها الكتائب تحت الأرض.
الكتابة عنك يا سيدي الشهيد أبا ابراهيم ، مهما بلغت من الفصاحة لن تبلغ مقامك العظيم شرفًا وفخراً، فأنت كنت ولا زلت وستبقى حياً ومنارة في وجداننا، ومُلهماً للأجيال أبد الدهر. فسلامٌ عليك يا سيدي أسيراً ومجاهداً وقائداً وشهيداً.