آراء

نحنُ والشعرُ أبقى..

أكتوبر 22, 2024

نحنُ والشعرُ أبقى..


بدا أنّ قصيدةٌ هيّجت صبيان السلطة المعمّمين، فحرّكت هجومهم المتتالي، الذي استجاب له النائب العام في منتصف ليل السابع من أكتوبر- للمصادفة – فأمر بفتح التحقيق في تهم “ازدراء الأديان” و”الاعتداء على الذات الإلهيّة” ، هذا ما بدا، لكن من هذا الساذج الذي أخذه على محمل الجدّ؟ من صدّق أن النائب العام أو أيّا من وكلائه أو الصبيان المعمّمين، أو ضابط أمن الدولة الذي أراد هذا كلّه، من صدّق أن بينهم من قرأ الديوان أو يقرأ أصلاً (غير ما يسمح له أن يقرأه)؟ ولو افترضنا جدلاً أن أحدهم تصادف وقرأ، من يصدّق أن أحدًا منهم فهِمَ أو حاول الفهم؟


السلطةُ بطبعها تعمي، والعمى عند الحمقى مكمنُ جهلٍ مُطلق، أو يكادُ يكونُ مطلَقًا، إذ لم تعد أذرعها/أجهزتها تعنى بمعرفةِ ما دون أدوات الجباية وآليّات القمع والإخراس، هذا بيدُ ما أسعى لمعرفته، وتعتقد بتحقيقه أنّها حازت الدنيا بحذافيرها، ولولا أنّ النّاسَ مجال قمعهم ونهبهم لما اهتموا بدراسة شيءٍ يخصّهم، ذهنًا ونفسًا وأحوالاً، مما جعلهم يبدعون -إجرامًا-في وسائل الاستجواب والتعذيب والمساومة والإلهاء والتلفيق، اعتمادًا على دراساتٍ وتجارب بُذِلَ فيها الوقتُ والجهدُ والمال (من جيوب الضحايا طبعًا)، على هامش دراسات أخرى ربّما بدأت، إلى أن أصبحت هي المتن قائمًا بذاته وتستقطع له المواردُ وتفردُ له المساحات.


قد يظنٌّ ظانٌّ مثلي أنّ هذا كنهُ السلطة، كلّ سلطة، وأن سلوكًا آخر غير هذا، قد ينفي عنها تعريفها اللازم، وينسق رويدًا استقرارها وسيطرتها، إلى أن يُنهي وجودها،  وقد يقولُ قائلٍ أو يتقوّل: لو بذلت السلطةُ ما تبذله لقمع الشعوب والإجهاز عليها والجباية منها؛ لأصبحت الأوطان أفضل والحياة أجمل ولأمكنت الشراكةُ بينهما لعالم أكثر استقرارًا ونموًّا، ولعلّه تصوّرٌ رومانسيٌّ يغري أذهان الكثيرين ويخصّبُ مخيّلاتهم، رغم ما يحمله من تضليلٍ -متعمّدٍ- يتجنّب النظر في حقيقةِ السلطة كفكرة قبل أن تكون ممارسة. والتي مبدأ قيامها السيطرة والتحكّم والاستغلال والتسيير. وكلّهم مناقضٌ للإنسان وما فُطرَ عليه، وكلّهم يستدعي المقاومة إذًا.


وبالعودِ لجريمة محاكمة قصيدة وشاعرها للمحاكمة، الدينيّة أو القضائيّة؛ فالأصلُ أن هؤلاء (الأمنيين والقضائيّين والمعمّمين) المستخدمين حصرًا من السلطة، والمشتغلين أصلاً لذى “جهاز سامسونج”، لا يفهمون -ولا يهتمون- في الدين ولا القانون ولا -قطعًا- الأدب، ولعلّ الأمر الأحمر في منتصف ليلة السابع من أكتوبر، يكشفُ ما وراءه وهياجهم، ويقولُ ما الحكاية، ويُعرّف كيف تستخدم المؤسسات هنا وهناك فقط للثأر الملفّق، وللنفي -كما سبق وأشرتُ- من القطيع، أو من الحريّة أو من الحياة.


ولا أعرف من هذا الأحمق/الجاهل/الغبي الذي أشار عليهم بهذه المشورة، ترسّخ في الأذهان والنوافذ والصفحات والمحاضر لعقدٍ ونيف أن هؤلاء مخربون وقاطعوا طريق وهدّامي وطن، ثم تحاكمهم على قصيدة، بتهمة الإبداع، وكتابة الشعر؟ ما أغباكم! هذا بالضبط ما لزمني عمرٌ لبنائه هدمًا لما شوّهتموه، وكشفًا لحقيقة ما أنا/نحن عليه: أصحاب كلمة وموقف وانحياز.. وإبداع.. وهذه جريمتنا الوحيدة، التي نحاكم عليها.


أما جريمتكم فهي ما سيحبطه الشعر بالضرورة، وسيبقى بعد زواله هو ومرتكبيه، لأنه أبقى بطبعه، والأهمُّ لأنّه أصدق.


شارك

مقالات ذات صلة