مدونات

من محمد بن أبي عامر إلى يحيى السنوار

أكتوبر 20, 2024

من محمد بن أبي عامر إلى يحيى السنوار

الكاتبة: عائشة عبادي

 

مشهد المستوطنين في تل أبيب مجتمعين أمام مركز الطب العدلي (أبو كبير) لحظة وصول الجثمان التي قال الاحتلال إنها جثمان القائد يحيى السنوار، وهم يرقصون ويغنون “شعب اسرائيل حي” أعاد لذهني المشهد الخالد بذهن التاريخ للقائد العظيم المنصور محمد ابن أبي عامر، والذي توفي إثر اصابته بإحدى المعارك، وقد قارع الصليبيين عمراً، وحاورهم بالسيف والدم فأجاد حوارهم، ولم تهزم له راية قط، ومات مجاهداً كما يليق برجل مثله أن يموت، ويومها رقصت أوروبا كلها فرحا بوفاته، ونصب ألفونسو على قبره خيمة فيها سرير من ذهب لينام رفقة زوجته فوق قبر المنصور، ويصرخ بكل نشوة “أما تروني اليوم قد ملكت بلاد المسلمين والعرب، وجلست على قبر أكبر قادتهم”!

 

حينها؛ قال أحد الحضور “والله لو تنفس صاحب هذا القبر لما ترك فينا واحدا على قيد الحياة، ولا استقر بنا قرار”. غضب ألفونسو وسحب سيفه ليقتله، فمنعته زوجته ممسكة وقالت: “لقد صدق أيفخر مثلنا بالنوم فوق قبره؟! والله إن هذا ليزيده شرفاً، فحتى بموته لا نستطيع هزيمته، وسيسجل التاريخ انتصاراً له وهو ميت، قبحاً بما صنعنا، وهنيئاً له النوم تحت عرش الملوك. لقد أقام له هؤلاء موكباً بغبائهم أكدوا فيه انتصاره عليهم حتى وهو شهيد، ولم يكونوا ليصدقوا أن من اشتبك معهم حتى استشهد هو السنوار فقادتهم نشوتهم بغباء بقدرة الله ليرونا الصورة التي ما كنا لنسمع بها لو واتتهم لحظة تروٍ أو حكمة، جعلونا نفخر بمشهد استشهاد أسطوري، لا يمكن لعقل أن يتخيله، مقاوماً يواجه طائرة مسيرة بعصى وبيد واحدة، هذا المشهد سيصبح أيقونة تاريخية خالدة بالذاكرة لأجيال قادمة، وملهمة لكل من يقارع عدو على وجه الأرض، ولم يكن ليليق بالرجل نهاية أخرى ليبقى حياً في الذاكرة ويلهم فيستمر نهجه البطولي لأن قصص الشجاعة معدية، لذلك فأننا والله لا نبكيه ولا نرثيه فلمثله وهبت الحياة و خلق المجد، ولأموات مثلنا خلق البكاء والمراثي، ولو كانت حركات المقاومة تموت بموت سيدها لانتهى أمرها في فلسطين يوم استشهاد القسام، وهل كان موت كارثي على فلسطين أكثر من استشهاد عبد القادر الحسني في معركة القسطل، وهو الذي قيل فيه “لقد كان سورا من اسوار فلسطين المنيعة، حين انهار هذا السور، كان من السهل أن ينهار بعدها كل شيء”.

 

فسقطت القسطل شريان القدس، فسقطت القدس وكل فلسطين تباعاً، أما السنوار الذي قاد طوفاناً نحو فلسطين كلها فقد استشهد بعد ان رسم بداية معركة التحرير، وخلط اوراق العالم كله، وارتقى بحي تل السلطان، وكأنها إشارة لأنه السلطان على هذا المكان والعالم بما فعل.

 

أما رعاع العروش جرذان القصور، الذي لم يتركوا موقفا إلا وعابوا أهل الانفاق، بعد أن خانوهم كما خان سابقيهم القائد عبد القادر الحسيني، وباعوا فلسطين مقابل عروشهم، فهم المختبئون بالعسكر من شعوبهم، وأن أهل الإنفاق في تدبير وتخطيط للاشتباك القادم في فوهة النفق أو فوقه، و مهما اختبأوا سيجد المد الهائل للطوفان منفذاً إليهم فيغرقهم، وتبق سير ذلهم تملؤ الآفاق مقابل سير أبطالنا. 


لقد رسم محمد ابن أبي عامر خطط طريق مجده، وهو ما زال فتى في سجن الصقالبة، حتى ضحك منه صاحبه الحداد إبراهيم قائلا “نخطط لإدارة شؤون الأندلس ونحن في مكاننا هذا”، فوعده أبو عامر أنه سيخرج وسيخلص الناس من شرورهم، ثم خرج وبدأ سلك طريقه بداية كمربي لعبد الرحمن ثم هشام أبناء الحكم، ومضت الأيام و السنين في أعداد وتخطيط حتى جاء يوم نكبة الصقالبة على يديه، وخلص الأندلس من شرورهم، وكذلك يحيى جعل من سجنه اعداد ليوم الطوفان فاتحة التحرير. اخيرا إن تربية أبنائنا وجه من وجوه هذه الحرب واهمها، واذا قتلوا يحيى فقد بقي ابنه إبراهيم وعليهم أن يواجهوه قبل أن يشتد عوده، ويكسر أصنامهم كلها، وإن كان يحيى قد قاد ثورة عليهم، فإبراهيم سيقوده ثأره معهم، ونار الثأر أشد من نار الثورة، فكيف بثورة شعلتها ثأر!، وكم من يحيى وابراهيم بهذا الشعب العظيم، وهاجر إلى جانبه تسنده بفعلها وقولها “والله لن يضيعنا الله” حتى يخرج الله لنا على أيديهم نبعاً يروي صدأنا بعد طول مرٍ وعلقم.

 

شارك

مقالات ذات صلة