مدونات

الحرب.. الورم الذي ينهش جسد الحياة

أكتوبر 19, 2024

الحرب.. الورم الذي ينهش جسد الحياة

الكاتبة: نور الحلو


في قلب غزة لا يُسمع سوى دوي الانفجارات وصرخات الفزع، الأرض تحترق تحت أقدام أهلها والسماء تمطر الموت على كل زاوية، تُسحق الأرواح تُهدم البيوت ويصبح العيش وسط ركامها شبيهاً بالسير في صحراء من الألم والجوع والخوف، لكن ماذا لو قلنا إن ما يحدث في غزة اليوم ليس مجرد حرب؟ بل أشبه بانتشار السرطان في جسد كان يحاول التشبث بالحياة رغم الألم المستمر.

 

كما يتسلل السرطان بهدوء في البداية فيباغت الجسم ثم ينتشر دون رحمة هكذا هي الحرب في غزة بدأت بجروح صغيرة اعتدناها حتى صارت جزءاً من الحياة اليومية ثم بدأت تنمو وتتمدد كما تفعل الخلايا السرطانية تلتهم كل شيء في طريقها الدمار لا يتوقف وكل بقعة أمل تتحول إلى رماد.


 غزة لم تكن هكذا دائماً كانت مدينة نابضة بالحياة والأمل مثل أي مكان آخر في العالم لكن كما يحدث مع الجسم عندما يهاجمه السرطان بدأ الدمار بالتسلل شيئاً فشيئاً، الحروب السابقة كانت كالجروح الطفيفة لكن مع كل حرب جديدة كانت الخسائر تتزايد ومعها كان يتعمق الشعور بالعجز ومع مرور الوقت تلاشى الأمل في إنهاء هذا الكابوس.


 كما ينهك السرطان الجسد تُنهك الحرب أهل غزة كل قصف جديد هو كسر في عمود الحياة وكل صوت طائرة هو تذكير بأن الموت يقترب بلا رحمة العائلات تُشرد الأطفال ينامون على خوف والأمهات تبكي على أطلال ما كان يوماً منزلاً وكما يفعل السرطان حين يضرب أعضاء الجسد الحيوية ضربت الحرب قلب غزة التعليم الصحة وحتى الحياة اليومية البسيطة باتت أحلاماً بعيدة.


 الأمر لا يتوقف هنا فحتى الأمل بات مهدداً كما يواجه مرضى السرطان تراجع صحتهم وصعوبة تلقي العلاج يعيش أهل غزة حالة مشابهة انعدام الغذاء فقدان المنازل انقطاع الكهرباء وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية كلها أعباء تجعل الحياة اليومية تبدو كمعركة غير متكافئة محاولات النجاة تتحول إلى معركة مريرة مع كل يوم جديد يحمل معه المزيد من الألم والحرمان. 


 الطوابير الطويلة للحصول على الطعام والمياه باتت مشهداً مألوفاً في غزة ومع كل وجبة يفتقدها طفل يتعاظم الخوف من اليوم التالي الجوع كما السرطان ينهش في الجسد والنفس معاً القلوب مليئة بالقلق والأجساد منهكة من البحث عن ملاذ آمن في مدينة باتت أشلاءً متناثرة. وكما يحاول بعض المرضى التمسك بالحياة رغم اليأس يقاوم أهل غزة هذا الكابوس بأشكال مختلفة ليس الأمر فقط عن محاربة القنابل والنيران، بل أيضاً عن محاربة الانهيار النفسي، وسط الدمار تجد من لا يزال يزرع أملاً رغم اليأس من يعلم أطفاله القراءة تحت ظلال ركام مدرستهم، ومن يحاول بناء مستقبل من قلب الدمار.


 في غزة كما يُنهك الجسد بالمرض تُنهك النفوس بالمعاناة اليومية الأمهات يُنجبن الأمل في صورة طفل جديد والآباء يقاتلون من أجل لقمة العيش ومع كل وجبة تفوت على مائدة الأسرة ومع كل صوت طائرة يخترق السماء تتعمق الجراح النفسية والجسدية لكن رغم كل شيء تظل غزة صامدة كالجسد الذي يقاوم السرطان حتى آخر لحظة.


 الأمل ليس سهلاً في غزة لكنه ضروري، فكما يبقى الأمل مع المرضى حتى اللحظة الأخيرة يبقى أهل غزة يحاربون من أجل بقائهم، يحاربون ليس فقط من أجل حياتهم بل من أجل هويتهم وكرامتهم، كل يوم جديد هو فرصة للبقاء على قيد الحياة وكل لحظة صمود هي دليل على أن الروح لا تُكسر بسهولة.


 ما أصاب غزة اليوم يشبه ورماً سرطانياً ينهش جسد الإنسانية لكنه لا يستطيع قتل الروح وكما يبقى الأمل مع المرضى يبقى أهل غزة يحاربون من أجل يوم قد يأتي فيه الشفاء يوم قد يطوى فيه هذا الورم الذي لا يرحم وتعود غزة كما كانت مدينة مليئة بالحياة والأمل رغم كل ما مرّت به. الحرب قد تُدمر البنية التحتية وقد تُضعف الجسد لكنها لا تستطيع أن تقتل الروح غزة تظل حية في قلوب أهلها وفي قلوب كل من يؤمن بالعدل والحرية قد تكون اليوم مُنهكة مُحاصرة لكن الأمل دائماً هناك في كل طفل يلعب في كل أم تحلم بغد أفضل وفي كل فرد يقاوم من أجل كرامته وحقه في الحياة.



شارك

مقالات ذات صلة