في بقعة صغيرة من الأرض محاصرة بين البحر والسماء تعيش غزة يوميات حرب لا تنتهي وكأنها تسبح في بحر من سموم الأفاعي التي تلسعها من كل جانب، تتنقل هذه الأفاعي بين السماء والأرض تجوب الشوارع والمنازل وتحمل في جعبتها القذائف والرصاص تاركة خلفها الدمار والخوف يُحصَد الأبرياء وتُهدم البيوت على رؤوس سكانها ويصبح صوت الأنين هو الصوت السائد في هذه المدينة المنكوبة.
الحرب في غزة: حلقة متكررة ما يحدث في غزة هو فصل جديد من فصول معاناة طويلة حيث يُشن العدوان وتُطلق الصواريخ وتدور عجلة الموت بلا توقف كلما دُمرت بناية أو سقط شهيد تبدأ الأحاديث عن التهدئة والمفاوضات ولكن سرعان ما تُنقض تلك الأحاديث وكأنها وعود كاذبة من الأفاعي نفسها.
تستمر المعارك وتزداد ضراوة وتُحاصَر غزة من جميع الجهات وكأنها سجن كبير لا يُسمح لأهلها حتى بالتنفس بحرية المئات من العائلات شُردت والأطفال فقدوا أحلامهم في ركام بيوتهم كل دقيقة في غزة هي تحدٍ للبقاء وللأسف هذه المعاناة اليومية أصبحت مشهداً متكرراً في حياة أهلها.
العالم مراقب صامت أم شريك في الجريمة؟ وراء هذه المأساة المتجددة يقف العالم متفرجاً وكأن شلل الضمير قد أصابه كل دولة تنظر لما يجري وتكتفي بتصريحات باردة عن “القلق” و”الدعوة لضبط النفس” وكأن المأساة مجرد خلاف بين جارين على سور منزل سموم الأفاعي التي تلسع غزة لا تأتي فقط من قذائف المحتل بل أيضاً من تجاهل المجتمع الدولي وصمته أمام الجرائم المرتكبة. الأمم المتحدة التي من المفترض أن تكون صوت العدالة تقف عاجزة عن اتخاذ إجراءات حازمة فيما تُحاصر غزة ليس فقط بالأسلحة والقصف بل أيضاً بالحصار الاقتصادي والإنساني المساعدات التي تصل إلى غزة لا تسد رمق الأطفال الذين يبكون جوعاً، ولا تعوض الأسر التي فقدت كل شيء.
المقاومة: أمل مغمور بالدم ورغم هذه المعاناة يستمر الفلسطينيون في غزة بالمقاومة يقاومون بشموخ يليق بهم مدركين أن تاريخهم مليء بالصمود رغم الألم يرفعون رؤوسهم حتى وهم يُحاصَرون في الأزقة الضيقة يعلمون أن كل جدار مهدوم وكل جريح هو جرح في ضمير الإنسانية. لكن ماذا عن المستقبل؟ هل تستمر سموم الأفاعي في تدمير حياة الفلسطينيين في غزة؟ أم أن العالم سيصحو من غفوته ويدرك أن الصمت على الظلم هو مشاركة فيه؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرحه كل من يشاهد ما يحدث في غزة.
وتظل غزة معلقة بين الحياة والموت بين المقاومة واليأس تنتظر نهاية لمسلسل الدم المستمر ولكن طالما أن الأفاعي السامة تسرح وتمرح في سماء المدينة وطالما أن العالم يتجاهل معاناة أبنائها فإن الحرب ستظل جاثمة على صدور أهلها ولن يتوقف الأنين إلا عندما يسود العدل ويعود الحق إلى أصحابه. إنها قصة مدينة لا تزال تدفع ثمن حريتها وهي تذكير للعالم أن السكوت على الظلم هو الوجه الآخر للجريمة.