سياسة

هل تحترمنا شعوب الأرض؟

أكتوبر 14, 2024

هل تحترمنا شعوب الأرض؟


فلسطين هي المقصد والاختبار أولا وأخيرا. فالإبادة والتوحش والتعدي الذي يمارسه الكيان المحتل اليوم ليس وليد اللحظة. الكيان وُلد متوحشا لأنه بالأصل كيان مفتعل مُقحم لا وجود حقيقي له ولا تراكمات ولا أصل. في عام ٢٠٢٢ عندما حاول الجيش الإسرائيلي تهديد حي الشيح جراح، ضرب الفلسطينيون المثل والقدوة في الصلابة والعزيمة والدفاع عن الوطن، حتى وإن كان حي الشيخ جراح في القدس وحده الذي قاوم فقد ألهمنا بمقاومته هذه وامتدت من الأراضي الفلسطينية كلُ يد تناصره.


حينذاك والآن أدعم كل مقاوم لتحرير فلسطين، وأحيي كل المرابطين لاستعادة بلدهم وفرض التحرر الوطني على المحتل، الذي لم يهنأ يوما لا بأرض ولا بأمن ولن يكون. صمود الشعب الفلسطيني وإقدامه بكل جسارة إلى الموت راضيا من أجل أرضه وشعبه وهويته درس طالما تعلمناه. رأينا أمهات تقدمن أبناءها وتعدد شهداءها الابن تلو الآخر، بل وتَعِدُ بالمزيد من أبنائها فداء لفلسطين. هذا شعب لا يقهر ولن ينكسر. رأينا مقاومي المسافة صفر منذ كانوا صغارا يحملون حجرا في الثمانينات ويقيمون انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ أو يكتسحوا ويوجعوا الجيش الغاصب على أرضهم في غزة. لا يموت شعب يتعلم، لا يموت شعب صاحب القضية. هكذا تعلمنا في التاريخ.


رأينا عشرات بل مئات المرات كيف ينظر الفتي الفلسطيني في عيني سائق الدبابة الخائف بندية وتحدٍ، أو أمام الإسرائيلي الذي يرفع بوجه الفتى والفتاة الفلسطينيين مدفعا رشاشا يستقبل الفلسطيني بجسده وروحه ومبادئه الموت شهيدا وفداء لوطن يتوق لتحريره. الجديد كان دخول الصراع مرة أخرى ٢٠٢٢ إلى غزة للتضامن مع حي الشيخ جراح في القدس. ارتبك العدو وانكشف تحت قبته الحديدية وتهديداته الفارغة بأن انتصارا تلو الآخر للمقاومة الفلسطينية حطم أسطورة أنه لا يقهر وأن قواته غير متماسكة. رأيت كيف امتدت بطولات حي الشيخ جراح في ٢٠٢٢ ورأيت معها اقتراب النهاية للكيان المحتل. ولازلت آمل.


هذا طبعا يهم من يعرفون التاريخ والجغرافيا ودورة الزمن الي لا تتوقف، ولا يعرفه من ينظرون إلى الاصطفاف مع الفلسطينيين بحسابات المكسب والخسارة. على المستوى الاستراتيجي كانت جولة الاشتباك في الشيخ جراح بين فلسطينيي المناطق المشتركة أو هؤلاء في الضفة الغربية والقدس الشرقية أو في غزة. صحيح كانت جولة الصراع في الشيخ جراح غير حاسمة في حد ذاتها، رغم استبسال الفلسطينيين فيها، إلا أن مكاسبها الفعلية اتضحت  كشمس النهار منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ على يدي المقاومة في غزة حتى الآن. يعرف من يؤمنون بالحقائق التاريخ والجغرافيا ومن يؤمنون بالوعد الإلهي أنهم حتما يستردون كل شبر من أرضهم. يعرفون أنه يوم حق قد لا نراه نحن، لكن أحفادنا قطعا سيرونه وسيستردون وطنهم المسلوب منذ عقود. صمودهم مبدع وملهم ليس لنا فقط في المنطقة العربية وإنما في ربوع الأرض.


الدرس الجديد في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ نحتاج إلى أن نقرأه كمصريين جيدا. سنقرأ أكثر في هذا الدرس العظيم يوم أن  تضع الحرب بين المقاومة في كل مكان وإسرائيل أوزارها، وترفع أنقاض الاعتداء غير الإنساني. تأثرت جدا وجميعنا بصور القتلى تحت الأنقاض وقد قُتلوا وأيديهم مرفوعة بعلامة النصر. والأمهات والآباء الثكالى المفرية قلوبهم بالفقد، كانوا يتلقفون خبر الابن تلو الابن، وعيونهم مسلمة بقضاء الله وأمره. هم ينجبون فلسطينيا فدائيا في كل مرة.. ينجبون مقاوما لا يضن بروحه غلى قضيته. الفلسطينيون يولدون أبطالا. ضرب الفلسطينيون على مر التاريخ درسا في صمودهم ثابتين لعقود طويلة. وفي غزة أدهشونا بالعمل والنضال تحت تأثير الحصار ليفاجئونا أنهم يعدون مقومات جديدة للمقاومة حتى أكثر من قدرتهم على تأمين الغذاء. فضلوا تأمين أدوات المقاومة حتى على حياتهم وقوت أبنائهم.


هذا الجيل الواعد من شباب المصريين المؤمنين بالحق الفلسطيني الأصيل يستمدون إلهامهم من قضايا مبدئية لم يعد لأحد السلطة ولا السلطان عليها.  هذا الجيل يحمل على عاتقه كلفة فترةٍ هي الأسوأ على الإطلاق، ولو أرخنا فقط  للتاريخ الحديث لمصر، فهي الأسوأ في المائتي عام الأخيرة بلا أي مبالغة. ويحمل الجيل القادم على عاتقه قضايا لن يمكنه معها إلا الانخراط والمشاركة. مصر شهدت على مدار آلاف السنين الكثير من التحديات، بعضها ترتب عليه أن سقطت هي ذاتها تحت الاحتلال لقرون، وعليه تغير شكل مصر وحدودها ومصالحها. الآن مصر تواجه خطرا حالا وحقيقيا في الجهات الأربع في فلسطين والسودان وليبيا ولبنان، وتحمل مسؤولية الفلسطينيين حتى على الجانب الفلسطيني من معبر رفح لتأمين أمنها القومي على الأقل، أو لنجدة أشقائنا في غزة وهو ما لا يحدث من قبل هذه السلطة إلا بالابتزاز المادي وعلى يد جهات غير رسمية.


من الزاوية الإنسانية أثبتنا وأثبت غيرنا أن حجة بيع الفلسطينيين أرضهم تضليل وافتئات على الباقين لعقود يحاولون تحرير وطنهم. جال في رأسي سؤال محوري ومهم لتفنيد هذا الافتراء. ماذا لو لم نكن على قدر المواجهة؟ ماذا لو لم نتعلم الدرس الفلسطيني؟ هل يظن أحدنا أن الفلسطينيين كسبوا احترام العالم واحتفظوا بقضيهم حية وهم قطعا مؤهلون الآن لانتصار، فقط لأنهم كانوا مقهورين ومظلومين ومشردين؟! قطعا لا. لو كانوا كذلك لأصبحوا جزءً من الماضي وكان كل ما حصلوا عليه ربما بعض التعاطف من قليل من المنصفين، و كثير من التجاهل من الأغلبية من المجحفين. صمود الفلسطينيين كان رهنا باحتمالهم ومثابرتهم وبثقتهم بأن النصر ممكن. المقاتلون طوال هذه العقود يحق لهم أن يأملوا ويثقوا بحقهم في النصر والتحرير لفلسطين. فالذين لا يقاتلون دفاعا عن شرفهم لن يلاقوا سوى القتل المهين. هي معركة بقاء قولا واحدا.


الحقيقة التي تخصنا جدا في مصر هي استلهام الصلابة من الفلسطينيين استنادا إلى تاريخنا نحن أنفسنا المكلل بالكثير من الصمود والنضال في سبيل التحرر ومقاومة الاحتلال. لا ينقصنا لا التاريخ ولا العزم في هذا الأمر. إذا قُدر لنا لا سمح الله أن يتحكم في مصيرنا يوما محتلٌ، أو أن نُحكم من قبل معتد على أرضنا أو مياهنا أو سيادتنا، أدعوكم للتفكر كيف سينظر إلينا العالم؟ ماذا يكتب عنا التاريخ؟ تاريخنا الطويل قدم التاريخ ذاته، هل سنحظى باحترام شعوب الأرض لنا إن فرطنا نحن فيها؟ كيف سينظر إلينا أبناؤنا وأحفادنا إن قصرنا؟ أسئلة استنكارية آمل ألا نوضع في  ميزان الحساب إن كتبت علينا التجربة.


شارك

مقالات ذات صلة