مدونات
“تشهد المنطقة العربية، وخاصة فلسطين ولبنان، أزمات سياسية متفاقمة وصلت إلى ذروتها مع عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذه العملية كشفت عن ضعف الأنظمة العربية في إدارة الأزمات السياسية والإنسانية، وغياب التنسيق الفعّال بين الحكومات العربية في مواجهة التحديات الطارئة. أمام هذه التحولات، يُطرح سؤال جوهري: كيف وصلت الأزمة إلى هذا الحد، وما هي المسؤولية التي تتحملها الدول العربية في تفاقمها؟ مفهوم الأزمة ومراحلها قبل تطرق للموضوع أزمة ما بعد عملية طوفان اقصى يجب أن نعرف ماهي أزمة و مراحلها وخصائصها، تُعرَّف الأزمة بأنها حدث مفاجئ يهدد استقرار الدول أو الأنظمة، ويتميز بالتعقيد وسرعة التصاعد.
في أي أزمة، هناك مراحل تمر بها الأحداث، وهي: 1. فترة الحضانة: تُظهر الأزمة بوادرها في شكل تحذيرات أو إشارات صغيرة قد يتم تجاهلها. وفي حالتنا هذه، كانت التصعيدات المستمرة في المسجد الأقصى منذ سنوات، والهجمات على غزة، بمثابة إشارات تحذيرية لما قد يحدث. 2. الحدث المسبب: هنا تشتعل الأزمة نتيجة حادثة خطيرة. في حالة عملية “طوفان الأقصى”، كان هذا الحدث هو الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الفلسطينيين في المسجد الأقصى وتصعيد الاستيطان والعدوان على قطاع غزة. 3. ذروة الأزمة: تصل الأزمة إلى ذروتها مع بدء العملية العسكرية الضخمة من طرف المقاومة الفلسطينية، والرد الإسرائيلي الذي شمل قصفًا مكثفًا على غزة وتهديدات بتوسيع نطاق الحرب لتشمل مناطق أخرى، مثل لبنان، حيث اشتعلت جبهة حزب الله. 4. مرحلة الانفراج: تُبدأ التدابير لاحتواء الأزمة من خلال الوساطات الدولية أو الإقليمية، لكن حتى اللحظة لا تزال الأزمة قائمة ولم تصل إلى هذه المرحلة بشكل فعّال. 5. استقاء الاستنتاجات: يجب على الدول بعد الأزمة تحليل الأسباب والعوامل التي ساهمت في اندلاعها والتعلم منها لتجنب تكرار السيناريوهات المدمرة.
للأسف، حتى الآن، لم تظهر أي جهود جدية من الأنظمة العربية في هذا الاتجاه. عملية “طوفان الأقصى” وتطبيق مراحل الأزمة و أسباب تفاقم الأزمة ووصولها إلى لبنان عملية “طوفان الأقصى” هي نموذج واضح لغياب الاستعداد العربي لمواجهة الأزمات. فالأزمة لم تبدأ فقط في أكتوبر 2023، بل كانت هناك بوادر واضحة على مدى سنوات، لكن الدول العربية فشلت في قراءتها. المفاجأة كانت عاملًا رئيسيًا في اندلاع الأزمة على هذا النحو العنيف؛ حيث لم تتوقع معظم الأنظمة العربية هذا النوع من التصعيد المفاجئ من قبل المقاومة الفلسطينية. بعد اندلاع عملية “طوفان الأقصى”، سارع الاحتلال الإسرائيلي إلى توسيع ردوده لتشمل لبنان، حيث تبادلت قوات الاحتلال إطلاق النار مع حزب الله. هذا التوسع في نطاق الأزمة يعكس غياب أي دور فعّال للأنظمة العربية في احتواء الوضع منذ بدايته.
بدلاً من تبني سياسات استباقية، اقتصرت معظم الدول على بيانات الشجب والإدانة دون اتخاذ أي خطوات ملموسة لتهدئة الوضع أو تقديم دعم ملموس للفلسطينيين أو حتى تفعيل الوساطات. ما كان على العرب فعله لمنع تفاقم الأزمة؟ كان بإمكان الدول العربية أن تلعب دورًا أكثر فعالية في مراحل مختلفة من الأزمة، من خلال اتباع استراتيجيات محددة في إدارة الأزمات السياسية.
أولا: الوقاية
قبل اندلاع الأزمة، كان يجب على الأنظمة العربية تبني سياسات وقائية عبر الضغط الدولي على إسرائيل لوقف اعتداءاتها في المسجد الأقصى وقطاع غزة. التنسيق الدبلوماسي العربي لم يكن كافيًا لردع الاحتلال عن تصعيداته، خصوصا انه هناك دول عربية لها علاقات دبلوماسية مع اسرائيل كان يمكن لها تدخل وعلى أقل اعطاء تبرير ملموس لتطبيع مع اسرائيل وانه تطبيع ايجابي وليس مجرد خنوع او ضعف.
ثانيا: التحضير
كان على الدول العربية إعداد خطط استباقية تشمل مبادرات دبلوماسية فورية حال اندلاع الأزمة، وإنشاء لجان أزمة عربية على مستوى جامعة الدول العربية لكي تتابع الوضع على الأرض وتنسق مع الجهات الدولية المعنية، مثل الأمم المتحدة، للحد من تدهور الأوضاع.
ثالثا: المواجهة والتعافي
بعد اندلاع الأزمة، كان من الضروري أن يكون هناك تدخل سريع، سواء عبر تقديم مساعدات إنسانية ودبلوماسية للفلسطينيين أو من خلال دعم الوساطات الدولية لوقف التصعيد. لكن الاستجابة العربية كانت بطيئة وغير فعّالة. كما كان على الدول العربية ممارسة ضغوط على الدول الكبرى لتجنب توسع النزاع إلى لبنان، الذي يعاني أصلاً من أزمات داخلية عديدة.
رابعا: التواصل مع الشعوب
كان من المهم أن تتبنى الدول العربية استراتيجيات تواصل شفافة مع شعوبها، توضح من خلالها موقفها الرسمي من الأزمة وتبني جسورًا بين الحراك الشعبي الداعم لفلسطين والمواقف الحكومية الرسمية. لكن بدلاً من ذلك، اتسمت استجابة معظم الدول بالغموض، مما زاد من حالة الاحتقان الداخلي. تُظهر الأزمة الحالية في فلسطين ولبنان الفشل الذريع في إدارة الأزمات السياسية على المستوى العربي. تمر الأزمات بمراحل متعددة، وكلما تأخرت الاستجابة زادت تعقيداتها، وهذا ما حدث مع عملية “طوفان الأقصى”. فشل الحكومات العربية في التحرك السريع ساهم في تفاقم الأزمة ووصولها إلى لبنان، وهي الآن تتجه نحو مزيد من التصعيد. إن تطوير سياسات استباقية، وتحسين آليات التواصل مع الشعوب، وتفعيل التنسيق العربي هو السبيل الوحيد لمنع تكرار هذه الأزمات وضمان استقرار المنطقة.