مدونات
الكاتب: معاوية الذهبي
مع بداية كل موسم كروي، عادة لا تكون الأندية الأوروبية في تمام جهوزيتها، خاصة حال تنظيم بطولات قارية كبرى للمنتخبات في الصيف الذي يسبق انطلاقة الموسم، إذ يعاني أغلب لاعبي تلك الأندية من الإرهاق البدني بسبب كثرة المباريات، كما يحتاج المنتقلون من نادٍ إلى آخر بعض الوقت للتأقلم، مما يؤثر بشكل مباشر على أندية الصفوة في الدوريات الخمس الكبرى، التي تعاني من إصابات متكررة وخطيرة أحيانًا للاعبيها.
حتى الآن أُصيب بقطع في الرباط الصليبي كلٌ من ظهير ريال مدريد الإسباني داني كارفاخال وخط وسط مانشستر سيتي رودري، إضافة إلى مدافع نادي يوفنتوس جوليان بريمير، من ناحية أُخرى لم يُجرِ النجم الإنجليزي جود بلينجهام جراحة الكتف التي كان من المفترض أن يخضع لها في الصيف بسبب مشاركته في بطولة أمم أوروبا مما أثر على مستواه وعرَّضه للإصابة ليغيب عن المشاركة مع ريال مدريد في بعض المباريات، هذه بعض الأمثلة التي تؤكد أن اللاعبين الذين قدَّموا موسمًا ممتازًا مع أنديتهم ومنتخبات بلادهم قد تأثروا بدنيًا ولاحقتهم الإصابات هذا الموسم.
هل ريال مدريد أكبر من قُدرات أنشيلوتي حاليًا؟ في ريال مدريد فقد الفريق أبرز لاعبي خط الوسط الألماني توني كروس الذي اعتزل اللعب الصيف الماضي، كما غاب حارس الفريق الأول البلجيكي تيبو كورتوا ونجم خط الوسط الفرنسي إدواردو كامافينجا عن عددٍ من المباريات، وفي حال خضع بلينجهام لجراحة الكتف سيغيب عن الفريق لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وإذا لعب دون أن يُجريها سيتأثر مستواه مقارنة بالموسم الماضي. المُدرب الإيطالي المخضرم كارلو أنشيلوتي مطلوب منه أن يُعالج كل تلك المشكلات، إضافة إلى إيجاد مكان مناسب في تشكيلته للنجم الفرنسي كليان مبابي رغم وجود فينيسيوس جونيور الذي يلعب في ذات المركز الذي يلعب فيه مبابي، لذا كان من الطبيعي أن يُجرب المدرب الإيطالي أكثر من خِطة حتى يجد التوليفة المناسبة، مما أثر على أداء الفريق ونتائجه بعض الشيء، وهذا أيضًا أمر معتاد لأي فريق يمر بظروف مشابهة، لكن غير المعتاد على الإطلاق هم أولئك الذين ينتقدون المدير الفني ويحملونه مسؤولية تراجع مستوى الفريق.
الغريب في الأمر أن هؤلاء لا تُسمع أصواتهم إلا عندما تسوء نتائج الفريق، هذا إذا اعتبرنا أن المركز الثاني في الدوري بفارق ثلاث نقاط عن المتصدر بعد مرور ثمان جولات وخسارة مباراة من مبارتين في بطولة دوري أبطال أوروبا نتائج سيئة أصلاً، أنشيلوتي الذي لم يخسر فريقه في الدوري على مدار أربعين مباراة متتالية، والذي توج هذا العام مع الفريق بأربع بطولات، والذي أضاف لخزائن النادي في ثلاثة مواسم لقبي دوري أبطال أوروبا ولقبي دوري إسباني، يُطالب بعض جماهير النادي المَلكي بإقالته من أجل التعاقد مع مدرب ليفربول السابق الألماني يورغن كلوب. كلوب قادر على تقديم أداء أفضل. يرى هؤلاء أن ريال مدريد يضم عناصر مميزة قادرة على لعب كرة قدم ممتعة كتلك التي يُقدمها الفيلسوف الإسباني بيب جوارديولا مع مان سيتي، يقولون أن عناصر ريال مدريد الحالية مع يورجن كلوب قادرة على سحق المنافسين وإحراز كمًا هائلاً من الأهداف في كل مباراة!! نعم الفريق، الذي يتكون خط دفاعه من إيدير ميليتاو وأنطونيو روديغير وديفيد آلابا المُصاب أغلب الموسم، سيؤدي في الملعب مثل مان سيتي، الذي تعاقد مع المدافع الكرواتي جوشوا جفارديول مقابل 90 مليون يورو.
هؤلاء أنفسهم يُدركون جيدًا أن داني كارفاخال هو ظهير ريال مدريد الأساسي منذ موسم 2014م، ولا أعتقد أن هناك فريق من الصفوة في أوروبا ظل يعتمد على ظهير كل تلك السنوات، ولن نقارن فيرلاند ميندي بأي ظهير لعب تحت قيادة بيب، كما أننا لسنا بحاجة لمقارنة دكة بُدلاء الفريقين لأن هذا يُعد ضربًا من ضروب العبث.
أنشيلوتي لعب موسمًا كاملا دون رأس حربة من طراز إيرلينج هالاند، ومع ذلك حقق لقب دوري الأبطال والدوري الإسباني، صحيح أن إدارة ريال مدريد على استعداد أن تدفع مائة مليون يورو للتعاقد مع لاعب مثل تشواميني أو هازارد أو بلينجهام، لكن ليس لأن المُدير الفني بحاجة إليه أو لأنه مفيدًا لمنظومة اللعب، بل لأن “الشامخ” فلورنتينو بيريز يرى أن هذا اللاعب يستحق أن يكون في ريال مدريد!! ماذا لو تعاقد بيريز مع يورجن كلوب؟ إن الذين يطالبون إدارة ريال مدريد بالتعاقد مع يورجن كلوب لا يعلمون أن عوامل فشله أكبر من عوامل نجاحه، ذلك لأن بيئة ريال مدريد تختلف تمامًا عن نظيرتها في ليفربول، الريال يجلس على قمة أندية العالم رفقة مان سيتي، عكس ليفربول الذي كان يُعاني كثيرًا حين تعاقد معه كلوب على مستوى تحقيق الألقاب، الريال يضم نُخبة من ألمع النجوم الذين أثبتوا أنفسهم أمثال فينيسيوس جونيور وبلينجهام ومبابي وفالفيردي عكس كثير من لاعبي الريدز الذين طورهم يورجن كلوب، الإدارة في ريال مدريد لم تسمح لمدرب بالتعاقد مع أي لاعب يشاء باستثناء القدير جوزيه مورينيو، لم تفعل ذلك مع زيدان ولا أنشيلوتي، وفي حال قدَّم كلوب موسمًا سيئًا مثل موسمي 2021م، و2023م لن يصبر بيريز عليه وسيطرده فورًا.
وعلى مستوى غرفة الملابس وطريقة اللعب هناك الكثير من التساؤلات المشروعة، ماذا سيفعل كلوب مع الحارس كورتوا الذي لا يجيد اللعب بقدميه؟ هل سيتخلى كلوب عن أسلوب بناء اللعب من الخلف بالاعتماد على الحارس؟ أم سيطلب من الإدارة التخلص من كورتوا والتعاقد مع حارس يجيد اللعب بقدميه؟ ماذا عن الظهيرين؟ هل يُمكن لميندي أن يشارك في خلق الفرص كما كان يفعل ألكسندر أرنولد وجوردن هندرسون مع الريدز؟ أم أن كلوب سيُطالب الإدارة بالتعاقد مع ظهيرين “عصريين”؟ كيف سيُقنع ثلاثي خط الهجوم خاصة مبابي بزيادة معدلات الضغط على دفاع الخصم؟ وهل سيستجيب مبابي له؟ وماذا لو اختلف مع نجوم الفريق؟ هل سينجح في إدارة وتطويع كل هؤلاء النجوم كما يفعل أنشيلوتي؟ أم سيفعل كما فعل رافايل بينيتيز عندما دخل في صراع مع نجوم الفريق بداية موسم 2016م وانتهى الأمر بطرده من منصبه بعد 6 أشهر فقط؟! كيف سيكون شكل الفريق إذا فقد أحد عناصره الرئيسية؟ هل سيستمر في المنافسة كما هو الحال مع ريال مدريد عندما غاب عنه بنزيما وكورتوا أم سينهار كما انهار ليفربول عندما غاب عنه فان دايك وساديو ماني؟ هل يستحق يورجن كلوب كل هذا الثناء؟ عند الحديث عن أفضل المديرين الفنيين في العالم خلال السنوات الأخيرة يبرز اسم يورجن كلوب مقترنا بالفيلسوف الإسباني بيب جوارديولا باعتبارهما الأفضل، صحيح أن مسيرة بيب الحافلة تستحق الإشادة والثناء، لكن بالنظر إلى مسيرة كلوب نجد أن الرجل لا يملك الكثير من الألقاب مقارنة بمديرين فنيين أمثال جوزيه مورينيو وكارلو أنشيلوتي.
حقق ليفربول مع كلوب لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الغائب عن خزائن الريدز منذ ثلاثين عاما، كما توج بلقب دوري الأبطال والدوري الأوروبي والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية وخسر مرتين نهائي دوري أبطال أوروبا، ومع دورتموند حقق لقب الدوري الألماني في مناسبتين وخسر نهائي دوري أبطال أوروبا مرة واحدة، هل هذه الإنجازات كافية ليجلس على طاولة واحدة مع بيب؟! يُرجع أنصار الرجل عدم تحقيقه لألقاب كثيرة بأنه تولى تدريب أندية في مراحل التطور ثم ارتقى بها لمنصات التتويج، كما أنه كان ينافس بيب جوارديولا على لقب الدوري الإنجليزي، وكم هي مرهقة منافسة بيب، يُقال أن كلوب خسر الدوري بفارق نقطة وحيدة، وفي أحد المواسم جمع فريقه 97 نقطة ولم يُحقق اللقب، وهذا صحيح، لكن هل كلوب الوحيد الذي حدث معه ذلك؟ أين كلوب من هؤلاء؟! في الفترة منذ عام 2010 حتى الآن خسر الكثير من المدربين لقب الدوري رغم حصد أنديتهم لأكثر من 90 نقطة، الأوروغواياني مانويل بليجريني لم يفز بلقب الدوري الإسباني مع ريال مدريد عام 2010م رغم حصد فريقه 96 نقطة، جوزيه مورينيو لم يُحقق لقب الدوري الإسباني مع ريال مدريد عام 2011م رغم حصد فريقه 92 نقطة، بيب جوارديولا لم يتوج بلقب الدوري الإسباني مع برشلونة عام 2012م رغم حصد 91 نقطة، كارلو أنشيلوتي فشل في الفوز بلقب الدوري الإسباني عام 2015م رغم حصد فريقه ريال مدريد 92 نقطة. زين الدين زيدان جمع مع ريال مدريد 90 نقطة في موسم 2016م وخسر الدوري بفارق نقطة وحيدة لصالح برشلونة، أما لويس إنريكي فقد جمع فريقه برشلونة 90 نقطة عام 2017م ومع ذلك لم يفز بلقب الدوري، السير أليكس فيرغسون، وما أدراك ما السير ألكيس فيرغسون، خسر لقب الدوري الإنجليزي عام 2012م بفارق الأهداف بعد أن تساوى مع مانشستر سيتي في عدد النقاط 89 لكل منهما، رغم كل ذلك لم يعتبر أحد خسارة هؤلاء المدربين للدوري بتلك السيناريوهات إنجازًا يستحق الإشادة والثناء كما حدث مع كلوب.
لا شك أن كلوب أحد أفضل المديرين الفنيين الذين مروا على الدوري الإنجليزي، ما فعله الرجل مع ليفربول يستحق الإشادة والتقدير، إنه يجلس على طاولة واحدة مع مدربين كبار لهم تجارب مماثلة لتجربته مثل أنطونيو كونتي ودييجو سيميوني ولويس إنريكي وهانز فليك وتوماس توخيل وروبرتو مانشيني، لكنه بعيد تمامًا عن الطاولة التي يجلس عليها السير أليكس فيرغسون وبيب جوارديولا وكارلو أنشيلوتي وجوزيه مورينيو. أخيرًا إن المُدرب الوحيد المؤهل لقيادة ريال مدريد حال التخلي عن كارلو أنشيلوتي، والذي يُمكن القول أنه أفضل من العرَّاب نسبيًا هو الفيلسوف الإسباني بيب جوارديولا، لكن بما أن تولي بيب تدريب ريال مدريد من المستحيلات باعتباره عاشقًا لبرشلونة فلا داعي للتفريط في المُدرب الأكثر تتويجا بدوري أبطال أوروبا على مر التاريخ.