مدونات
الكاتب: كرم الدين حسين
مدون مغربي
مرت سنة كاملة منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى” التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، وكانت بمثابة نقطة تحول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. جاءت هذه العملية ردًا على سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، وهو ما دفع فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، إلى شن هجوم مفاجئ على القوات الإسرائيلية في غزة ومستوطنات الجنوب الإسرائيلي. بدأ الهجوم باقتحام نقاط عسكرية حدودية وقصف مكثف بالصواريخ على عدة مدن إسرائيلية، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من الجنود والمستوطنين.
بعد الهجوم الأولي، ردّت إسرائيل بقوة كبيرة على غزة، حيث شنت عملية عسكرية واسعة استهدفت البنية التحتية، المنازل، والمرافق الحيوية في القطاع المحاصر. تركز القصف الإسرائيلي على المناطق السكنية، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من المدنيين. في الوقت نفسه، استمر إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل، ما خلق حالة من الذعر في صفوف الإسرائيليين. تصاعدت الأحداث بشكل متسارع، لتصل إلى درجة توسع دائرة العمليات العسكرية إلى خارج حدود غزة.
إسرائيل شنت غارات جوية على مواقع في لبنان، بعد اتهام حزب الله بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان. كما تعرضت مواقع في سوريا واليمن لقصف إسرائيلي، بذريعة وجود قواعد دعم للمقاومة الفلسطينية أو أنشطة تهدد أمن إسرائيل. في خضم هذه التطورات، شهدت المنطقة توترًا متزايدًا، مع ظهور دعوات في عدة عواصم عربية إلى دعم المقاومة الفلسطينية، بينما حاولت بعض الحكومات المحافظة على مسارها في التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من الضغط الشعبي المتزايد. صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان ما ميز هذه السنة هو الصمود الفلسطيني المستمر رغم حجم العدوان الإسرائيلي. في غزة، ورغم الحصار المفروض منذ أكثر من 17 عامًا، أظهرت المقاومة قدرة عالية على المواجهة والصمود.
تمكنت الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي، من الحفاظ على قوتها العسكرية، وتطوير تكتيكات جديدة لمواجهة الجيش الإسرائيلي الذي كان يسعى لتدمير كامل لقدرات المقاومة. المدنيون الفلسطينيون، خصوصًا في غزة، تحملوا النصيب الأكبر من الخسائر، ولكن ذلك لم يثنهم عن دعم المقاومة. برغم القصف والدمار، ظل أهل غزة صامدين، مؤكدين على استمرارهم في مواجهة الاحتلال. هذا الصمود لم يقتصر على غزة فقط، بل شمل كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة. في الضفة الغربية، انتشرت التظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال في العديد من المدن والقرى، حيث أظهرت الجماهير الفلسطينية وحدة في الهدف، وهو مواجهة الاحتلال وعدم الاستسلام.
تأثير الصمود الفلسطيني على الشعوب العربية لم يكن الصمود الفلسطيني منعزلًا، بل كان له صدى واسع في العالم العربي. شعوب المنطقة، من المحيط إلى الخليج، تابعت بألم وغضب ما يحدث في غزة والأراضي المحتلة. ارتفعت أصوات التضامن في الشوارع العربية، حيث خرجت مظاهرات ضخمة في مدن مثل القاهرة، الرباط، تونس، بغداد، وعمّان.
هذه التحركات الشعبية جاءت كرد فعل على الجرائم الإسرائيلية المستمرة، وللتعبير عن رفضها لأي محاولات للتطبيع مع إسرائيل. شهدت بعض الدول التي كانت تخطو خطوات تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مثل المغرب والإمارات، تحركات شعبية واسعة تطالب بإعادة النظر في تلك السياسات. في المغرب، خرجت مظاهرات كبيرة تطالب الحكومة بالتراجع عن خطوات التطبيع، بينما كانت الدعوات في الأردن أكبر وأكثر جرأة. في اليمن، رغم الحرب الأهلية المستمرة، كان هناك إجماع شعبي كبير على رفض العدوان الإسرائيلي ودعم المقاومة الفلسطينية. كذلك في لبنان وسوريا، حيث تمت الدعوة إلى مواجهة إسرائيل على كل الجبهات، ردًا على توسع عملياتها العسكرية.
التمسك بخيار المقاومة رغم أن إسرائيل سعت خلال السنة الماضية إلى توسيع عملياتها العسكرية ضد كل من يدعم المقاومة الفلسطينية، إلا أن هذه السياسة لم تحقق أهدافها المعلنة. على العكس، ما حدث هو تعزيز خيار المقاومة في الوعي العربي، وزيادة الإصرار على مواجهة الاحتلال. كلما زاد حجم القتل والدمار الذي تتسبب فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية، زاد التمسك الفلسطيني والعربي بخيار المقاومة. بات من الواضح أن هذه السياسة لن تؤدي إلى كسر إرادة الشعوب، بل إلى تعميق الإصرار على النضال من أجل الحرية واستعادة الحقوق. إسرائيل، من جهتها، باتت تواجه ليس فقط مقاومة عسكرية على الأرض، بل أيضًا عزلة دبلوماسية متزايدة في العالم العربي.
إن مسار التطبيع الذي كان يسير بخطى ثابتة قبل سنة، بدأ يتعثر تحت ضغط الشعوب العربية، التي ترى في المقاومة الخيار الأوحد لتحرير فلسطين، في ظل غياب أي آفاق سياسية لإنهاء الاحتلال. مرور سنة على عملية “طوفان الأقصى” أظهر مرة أخرى أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن حقه في المقاومة، رغم كل التحديات. وعلى الرغم من توسع العمليات الإسرائيلية لتشمل جبهات جديدة في لبنان وسوريا واليمن، فإن الشعوب العربية لم تتراجع بل زادت إصرارًا على دعم القضية الفلسطينية.