سياسة
يُحكى أنّ شيئاً بسيطاً كرفرفة جناحي فراشة، يمكن أن يتسبب في دمار في أقصى بقعة في العالم، وهذا ما يسمّى بأثر الفراشة الذي تحدّث عنه الأدباء وأوّلهم كان إدوارد لورينتز عام ١٩٦٣ ليصف الترابط والتأثير المتواتر والمتبادل والناتج عن فعل قد يبدو صغيرًا في حجمه بالنسبة للكون، لكن نتج عنه سلسلة من الأحداث المترابطة والمتتالية ذات التأثير الكبير فيه. يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش “أثر الفراشة لا يرى/ أثر الفراشة لا يزول/ هو جاذبية غامض/ يستدرج المعنى وترحل/ حتى يتضح السبيل/ هو خفة الابدي في اليومي. “هو خفّة الأبديّ في اليومي” تأمّلها قليلاً وستدرك كم هي حقيقة؛ سواءً كانت بالتحضير للحدث الأكبر على مدار السنوات بأفعال يوميّة بسيطة، أم كان بما نفعله نحن في كلّ أنحاء الكرة الأرضية من أعمال يوميّة نحو التحرير. لكنّ السؤال هنا هو، آلمعنيّ من أثر الفراشة هنا، تحرير غزّة؟ أم تحرير العالم؟
محاولات لكسر الحصار، عن العالم
البديهي والمعروف هو أنّ غزّة محاصرة منذ عام ٢٠٠٦ حينما فازت حماس في الانتخابات التشريعية في يناير/كانون الثاني. لكن إن كانت للمشاهد نظرة شمولية أكثر، خاصة في ظلّ هذه الأحداث، سيدرك أنّها كانت بداية التحرير وليس الحصار! فكما ذكرت سلفًا في مقالاتي السابقة، كان للحصار آثار جانبية إيجابية، أتت بثمارها على مدار السنوات، ومنها عزل غزة عن مؤثرات العولمة والليبرالية والرأسمالية وتشويه الهوية المجتمعية للشعوب الإسلامية من خلال جعل العالم بأكمله قرية واحدة متشابهة في اللباس واللغات والترندات والفتن! بقيت غزة في معزل عن كلّ هذا السمّ المدسوس بعسل “التحضّر والتطور”، هذا السمّ هو سلاح الحكومات، أو حري بي القول “الحكومة الخفيّة” للتحكّم بالشعوب كدمى المسرح. فالآمر سهل؛ أكثٍر من الأمراض ثمّ بع لهم الدواء، اجعل السعي من أجل لقمة العيش صعبًا ويتطلّب يوم كامل في كلّ أيام العمر لدرجة اضطرار الأم إلى العمل أيضًا وترك صغارها دون تربية أو قدوة، ثمّ اجعل المدارس تدرّس المناهج “المرضيّ عنها فقط” لقولبة الأجيال الصاعدة بما يصبّ بمصلحة تلك الحكومة الخفيّة، أكثر من المجاعات والفقر لتشغيل سكان دول العالم الثالث (ومنهم أطفال) في مصانع لتصدير الموضة السريعة للعالم المنشغل بالركض وراء المادّة، اصنع الحروب والشعور بعدم الأمان لتبيع السلاح، وكي تفرض السيطرة على الدول المرادة… والقائمة لا تنتهي. لنرجع خطوة إلى الوراء؛ غزّة هي البقعة الوحيدة على وجه الأرض التي تقع خارج حدود سيطرتهم، ولذلك فإنّ كسر هذا الحصار هو كسر لحصار العالم وإيقاظه!
الأثر: عالم لا يهدأ
عام واحد، رأينا فيه ما لم يحدث في ٧٦ عامًا من الاحتلال، سواءً على صعيد الجرائم التي لم نرَ مثلها حتّى بأفلامهم الرّديئة، أو حتّى على صعيد التحوّل العالمي الذي حصل. فرأينا بأعيننا كيف أنّ شعوبًا كانت تكرهنا باتت تتظاهر بأجسادها العارية أمام شرطة بلادها للدفاع عن القضيّة، ومنهم من أضرم النيران في جسده كنوع من الاحتجاج، وهذا غير أنّ بعض الدول العربية لم تهدأ شوارعها منذ اليوم الأول للعدوان، وحراكات شعبيّة لمقاطعة كلّ ما يدعم هذا الكيان أضعفت أكبر الشركات العالمية وأركعتها على ركبتيها لترينا أنّ القوّة فعلاً بيد المستهلك، وبيد الشعوب، وبأنّنا نحن من صنعناهم وجعلنا لهم هذه القوّة الهشّة الواهمة، لا العكس! عام خدش ثقة الشعوب بحكامها وبالنظام العالميّ وأسقط كلّ الأقنعة وفضح كلّ المؤامرات حتّى بات مصطلح “نظرية المؤامرة” من أكثر المصطلحات بحثًا على محركات البحث. عام أيقظ العالم الذي كان يلهث راكضًا وراء الوهم الذي يبيعوننا إيّاه، تمامًا كحيوان الهامستر الذي يركض داخل قفصه على عجلته، التي لا توصله إلى أيّ مكان، فقط ليمتّع ناظريّ صاحبه. جميعنا كان يلهث هكذا، وربّما مازال، دون أدنى تفكير، وراء كلّ ما أقنعونا بأنّه الصّواب للعيش هانئين ولترضى عنّا تلك الحكومة الخفيّة كي لا نتعرّض للإشكالات. لكن ها نحن نرى بوضوح، وأغلبنا بات مستعدًا للتضحية وبذل كلّ شيء إن عثرنا على السبيل لذلك، أم أنّنا عثرنا لكنّنا ننتظر الشرارة الأولى؟ ومن هو الذي سيبدأها ليتبعه السّيل الجارف نحو التحرير؟
التحرّر
هذه منطقة مجهولة، لا نعلم كيف ومتى سيبدأ التحرير العالمي الفعلي، لكن ما نعلمه هو أنّه يبدأ على مستوى الفرد، ثمّ المجتمعات والشعوب التي بدورها يمكنها إجبار الحكومات على الرّضوخ، لكن كيف ونحن في بيوتنا ولا نرغب في أيّ خسارات شخصيّة؟ في كلّ عدوان ومعكرة، يتردد على آذاننا مصطلح المقاومة الالكترونيّة، وهي ما نفعله نحن الآن ونحن جالسون في بيوتنا؛ المقاومة من خلال النّشر والتوعية بجميع اللغات وتذكير العالم ألّا يعتاد أنّ هنالك من لا يزال يُباد، وتجميع التبرّعات، والقيام بأعمال إغاثية، وتوفير الدعم الذي يحتاجونه في الكثير من المجالات وحسب مقدرة كلّ فرد منّا. لكن، أ مازال هذا ما يحتاجونه منّا فعلاً؟ فها قد تحوّلت القضيّة الفلسطينية من قضيّة محلّية، إلى قضيّة عالمية. وهل مازالت التوعية والتذكير هما ما يحتاجانه العالم كي يتحرّر؟ فها هو العالم بات يرى ولم يعد أعمى، وها هو قد استيقظ فعلاً، وها هو ثائر لا يهدأ، فهل أتممنا المهمّة فعلاً وانتهى الأمر؟ باعتقادي أنّ هذا النوع من الإسناد والمقاومة كان أمرًا مهمًّا وله دورٌ لا غنى عنه، لكن في مرحلة معيّنة من مراحل هذه المعركة، فالمعركة تقدّمت وتطوّرت، ولهذا يجب علينا التقدّم والتطور أيضًا إن كنّا راغبين فعلاً بأن نكون إحدى أتراسها! بيد أنّ هذا المفهوم تمّ تجنيده بشكل ذكيّ وخبيث من قبل “الأخ الأكبر” كما سمّى الكاتب جورج أورويل هذه “الحكومة الخفيّة” في روايته ١٩٨٤، من خلال إيهام الشعوب أنّها بهذه القوى الناعمة “تفعل شيئًا” والواقع هو أنّها ربّما تقوم بتأثير ما، لكنّه تأثير وقول وعمل يتناسب مع تلك الحكومة لتصرف أنظار الشعوب عمّا يمكنها فعله حقًّا، وإخراج الطاقات المكبوتة للشعوب في الأماكن التي لا تضرّهم! الخطوة التالية لأيّ ثورة، وإن كانت رقميّة، هي التحرّك الفعلي وليس فقط استخدام تلك القوّى الناعمة بعد أن قطفنا ثمارها. والتحرّك الفعلي لن يتمّ دون تضحية شخصيّة من كلّ فردٍ منّا، فلا يوجد تحرير ولا مقاومة دون خسائر شخصيّة!
شرارة للحرب العالمية الثالثة
قالها المرشّح الرئاسيّ الأمريكي المثير للجدل، ترامب، في إحدى حملاته الانتخابية: “سأعمل على منع حدوث حرب عالمية ثالثة.” ما جعل المحلّلون يتسابقون لمحاولة فهم المعنى الخفيّ وراء تصريحه هذا. وقد يبدو الأمر بديهيًّا دون الحاجة للتحليل، فالعالم على حافّة حرب شاملة منذ أن بدأت حرب روسيا وأوكرانيا، وأحداث العام الفائت كانت متسارعة ومتواترة لدرجة أنّها جعلتنا نشعر بقربها أكثر من أيّ وقت مضى. لكن أكنتم تعلمون أنّ بدء حرب عالميّة في عام ٢٠٢٥م هو أمر تمّ ذكره في رسالة كُتبت عام ١٨٧١م على يد جنرالاً في الحرب الأهليّة الأمريكيّة وزعيمًا ماسونيًّا بالرتبة ال ٣٣ يدعى ألبرت بايك؟ كانت الرسالة بين بايك وزعيم آخر في الماسونية برتبة عالية أيضًا لتخبره بتوقيت وأسباب اندلاع الحروب العالمية الثلاثة. ذكر فيها أنّ الحرب العالمية الأولى مخطّط لها للإطاحة بقياصرة روسيا وتحويل البلاد إلى معقل للشيوعية، وأوضحت الوثيقة أيضًا أن الحرب العالمية الثانية وقعت في المقام الأول للقضاء على النازية، حتى تصبح الشيوعية هي النظام السائد بين حكومات الدول، ويتسنى بذلك إقامة وطن للكيان الصهيوني في فلسطين. نعم يا من تتساءل لمَ قضيّة فلسطين تكون محور الاهتمام العالمي دومًا، فها هي إجابتك! كما أكمل بذكر اندلاع شرارة الحرب العالمية الثالثة بين الحكّام الصهاينة، ورؤساء الدول الإسلامية قائلاً: “يجب أن تُدار الحرب على نحو يدمر فيه الإسلام (العالم العربي الإسلامي)، والصهيونية السياسية (إسرائيل) بعضهما”. محذرا في الوقت ذاته من أن تلك الحرب ستكون “الأكثر دموية على الإطلاق”. وقد ظهرت نصوص واقتباسات من تلك الوثيقة في كتاب “شيطان وأمير هذا العالم”، الذي قام وليام جاي كار ضابط البحرية الكندي السابق، بتأليفه. إذًا، قبل ٢٠٠ عام من اليوم، كان تدمير الإسلام من ضمن خططهم، وكانت أيضًا فلسطين، أرض الديانات السماوية، على رأس خططهم للتحكّم بالعالم وإفساده، ونشر الإلحاد وإضعاف الأديان. إن كانت الأحداث في العام الفائت قد أصابتك بشعور غريب يجعلك ترى المستقبل مبهمًا ومظلمًا، أو غير موجود من الأصل، فأنت لست وحدك! ألم تتّقد في ذهنك تساؤلات كثيرة حول كلّ ما سبق؟
يُقال أنّ هناك طوفانان عظيمان فقط يحدثان للأرض، يغيّران من معالمها كلّها، حيث تندحر حضارات فاسدة وتزدهر أخرى. وقد رجّح العلماء على أنّ الطوفان الأول كان طوفان نوح عليه السلام الذي قضى على جزء كبير من البشر الذين عصوا أمر الله حينها. لكن ماذا لو كان الطوفان الثاني قد بدأ بالفعل؟ طوفان بشريّ سيغسل العالم من دنسٍ احتلّه لمئات السنين، ويقضي على حزب الشيطان وتلك الحكومة الخفيّة المتحكّمة بالعالم؟ وماذا لو كنّا نحن من ضمن “أثر الفراشة” لأمواج هذا الطوفان؟