سياسة

العدو الأول للشعب المصري

أكتوبر 6, 2024

العدو الأول للشعب المصري


قلتها مرارا: إذا اجتمع كل البشر على ظلم إنسان لن أشارك في هذا الظلم. اعتبره البعض يسبب خسارات أو مكاسب فلن أضل. ينطبق ذلك أصيلا على الشعب الفلسطيني، الذي يقاتل هو ومقاومته من أجل التحرر الوطني من المحتل الغاصب. لا يمكن اتساق مبدأ هنا لا يتسق هناك. فلسطين كانت دائما بوصلة حاسمة لفرز المواقف والأفكار. لا يمكن لفكرة أن تستقر في ضميري تغفل فلسطين وموقف مصر التاريخي الحقيقي منها. لا يمكن أن نصنف مع المحتل ومناصريه. آفة النفس البشرية الهوى، ولا بغلب النفس إلا الطمع في سلطة أو جاه. من المهم أن نحتفظ بمكانتنا لا أن نفرط فيها، ولن تنعقد السيادة إلا باستعادة السيطرة كاملة على معبر رفح ومحور صلاح الدين المعروف اصطلاحا بفيلادلفيا. أقل القليل الذي يبقي ترابنا الوطني سيدا على أرضه، ولا نتمادى في سلسلة الخطايا – وليس الأخطاء – بحق حدودنا ومائنا وسيادتنا. لن نطمئن للعدو أبدا ولن ننسى ثأرنا عنده، ولن ينحاز شعبنا إلا مع القضية الفلسطينية وحقوق فلسطين في سيادتها أيضا.


أنقل للقراء تجربة عملية شاركت فيها صحفيا مصريا، سبق وأعلنت نقابة الصحفيين عن قافلة إنسانية وتحمس كثيرون كنت من بينهم. قلت: كصحفي أريد العبور إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة على مسؤوليتي الشخصية لأؤدي دوري ناقلا للحقيقة للعالم عما يحدث على الأراضي الفلسطينية من عدوان همجي متوحش. مُنعت هذه القافلة كما منع غيرها من العبور من الأساس. أثق أن الدولة المصرية بإمكانياتها شعبا وجيشا وثقلا تستطيع، بل ويجب عليها أن تعلن للطرف المعتدي وللعالم أن هذا معبرٌ دوليٌ فلسطيني مصري ، وأن الاعتداء عليه ما هو إلا اعتداء على السيادة المصرية، وأن المساعدات تدخل عبر أراضٍ مصرية، محملة على شاحنات مصرية يقودها سائقون مصريون، ويرافقهم مواطنون مصريون.


مصر – بكل ما تمثله – لا تقبل أن يتم الاعتداء على ترابها ولا على قضيتها الإقليمية الأهم والأصيلة جنبا إلى جنب مع قضيتها في شريان الحياة وتهديده بالنسبة للسد الإثيوبي. لا نقبل الاعتداء على البضائع المرسلة إلى أبناء الشعب الفلسطيني ولا على هؤلاء المواطنين المصريين المكلفين بإيصالها. من يتصور أن إسرائيل ستبلغ بها الوقاحة أو التهور أن تعتدي على تلك القوافل التي لا تحمل شيئا مخالفا للقانون أو الدستور، ولا تمارس فعلا مخالفا للقانون بالتبعية، واهم كل الوهم. بل أنا أسميهم ”المُرجفون“. من ينضم إلى أي ضيم يقع على الفلسطينيين بوعي أو عن غير وعي يساهم مباشرة في حصار أشقائنا في فلسطين، وفي تقزيم حجم الدولة المصرية الذي لا ينازعها فيه أحد.


هناك مسافة كبيرة بين أمرين، أن نتورط في حرب، وأن نمارس لا حقنا في السائدة وحده وإنما واجبنا الوطني تجاه ترابنا الحر وأرضنا الثابتة وتجاه أمننا القومي. ليست رفاهية أن نناصر الشعب الفلسطيني في مصر، بل وعن دفاعهم عن حقهم في التحرر الوطني، بل يدافعون في سياق ذلك أيضا عن  أمن مصر القومي. لمصر حدود برية مع السودان مثلا، لا ينازعنا أحد أو يماطلنا فيما يمكن أن يعبر أو يمر نحو السودان وبالعكس. كذلك الحال يجب أن يكون مع أرض فلسطين حتى لو كانت تحت الاحتلال حتى تتحرر. وهذا أقل الواجب. أقولها معلنة للجميع، بالنسبة لمعبر رفح: لا شأن لأحد فيما يمر أو يعبر من حركة بشرية أو بضائع أو مساعدات أو إغاثة، هذا الحق في السيادة لمصر وحدها. ونحن إذ نقول مساعدات هذه ليست بمساعدة، بل أوجب الحق لتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود على أرضه، ولا يجب أن يكون ذلك كلاما. فموقف مصر الرسمي المفعّل مثلا هو ضد التهجير. وعندما يكون الفلسطينيون واقعين تحت ما وصفته الأمم المتحدة لفظا بالإبادة الجماعية ولا خلاف عليها إلا عند كل من ضل أو ضلل أو يريد تضليل الإنسانية في زمن لم يكن الحق الفلسطيني فيه أوضح من اليوم.


يمكننا في مواجهة هؤلاء المضللين أن نعود لبنود القانون الدولي لنقف على واجبات الدولة الجارة. وفلسطين ليست جارا فقط، وإنما شقيق وجار وصاحب قضية. القانون الدولي الإنساني. حتى لو كتب لهذا الوضع أن يستمر يوما أو بعض يوم، الفلسطينيون الذين يضربون اليوم أروع الأمثلة في النضال والذين يردون على كل الترهات التاريخية بأن الفلسطينيون هم من باعوا أرضهم وما يشابه ذلك من قول أو عمل. اليوم لم يعد ممكنا تزييف التاريخ، لأننا نراه اليوم صوتا وصورة. فهل هذا شعب بالله يفرط في أرضه؟! الفلسطينيون العالقون في مصر قد يريدون دخول غزة أكثر من هؤلاء الذين يريدون العبور من أرض فلسطين إلى مصر. وهذا دليل لا شبهة فيه ولا اختلاط. الفلسطينيون مبدؤهم أن يموتوا على أرضهم  أفضل من الموت البطي أما الضمير الإنساني المنعدم، هم أكثر ممن يريدون الفرار تحت نيران المحتل. هذا شعب عظيم، قولا واحدا. ومقاومته مقاومة ملهمة. ومصر لو عدتم للتاريخ كانت ويفترض أن تظل تتصرف في دعمها للقضية الفلسطينية من منطلق قيمتها، لا قدرات العدو.



شارك