سياسة
منذ تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948، اعتمدت بشكل كبير على الدعم الأمريكي الكبير لتأمين بقائها واستمرارها كقوة استعمارية إحلالية في الشرق الأوسط٬ ففي كل مرة خاضت بها “إسرائيل” حروبها مع خصومها كانت أمريكا حبل نجاتها الأول والأخير٬ حيث ترى واشنطن في الكيان السرطاني “حجر الزاوية” في استراتيجيتها بالشرق الأوسط، لما تملكه المنطقة من موارد هائلة وموقع استراتيجي وممرات بحرية تجارية حيوية.
وبالطبع الأهمية الجيوسياسية لدولة الاحتلال ليست هي السبب الوحيد التي تجعل من “إسرائيل” مشروعاً مصيرياً ووجودياً لدى واشنطن في المنطقة٬ حيث يلعب اللوبي الصهيوني دوراً عميقاً ومتجذراً في التأثير على صنع القرار السياسي في واشنطن٬ إذ تمارس إيباك (AIPAC) نفوذاً لا يخفى على أحد في الكونغرس الأمريكي٬ لتأمين القرارات وتجييرها لصالح دولة الاحتلال في شتى المجالات٬ وعلى رأسها تحقيق الغطاء السياسي في كل المحافل٬ والأهم تأمين استمرار تدفق المساعدات العسكرية والاقتصادية.
وهذا الدعم الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً بين دولة عظمى ووكيل لها، والذي يشمل مختلف أنواع المساعدات العسكرية والاقتصادية والسياسية والاستخباراتية، كان وما زال عاملاً حاسماً في “صمود” المشروع الصهيوني -حتى الآن- في وجه جميع التهديدات والتحديات المختلفة عبر 8 عقود٬ وترياقاً مضاداً لأسباب الزوال الداخلية والخارجية٬ والتي ستأتي في النهاية على هذا المشروع كما أي مشروع استعماري عرفه التاريخ.
ومنذ عام 1948، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية واقتصادية هائلة إلى كيان الاحتلال٬ حيث بلغ مجموع المساعدات المقدمة لـ”إسرائيل” والعلنية منذ ذلك الحين أكثر من 150 مليار دولار. والجزء الأكبر من هذه المساعدات كان موجهاً نحو المجال العسكري، حيث شكلت دولة الاحتلال أكبر متلقٍ للمساعدات الأمريكية الخارجية حول العالم.
بدأت هذه المساعدات في السنوات الأولى من وجود “إسرائيل”، لكنها تسارعت بشكل كبير بعد حرب 1967، حيث أصبح كيان الاحتلال ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط٬ وتم تعزيز هذا الدور بشكل أكبر بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” مع مصر في عام 1979. في المقابل، ساعدت هذه المساعدات في تطوير الترسانة العسكرية الإسرائيلية بشكل سريع لتشمل أنواعاً متقدمة من الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية التي ستفتك بها دولة الاحتلال بالفلسطينيين والعرب في كل مواجهة قادمة.
ومنذ اليوم لمعركة “طوفان الأقصى”٬ التي ارتكبت فيها دولة الاحتلال مئات المجازر وقتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين٬ وقصفت فيها غزة والضفة وصنعاء وبيروت وبغداد ودمشق وربما غيرها٬ أرسلت الولايات المتحدة على مدار عامل كامل كميات ضخمة وغير مسبوقة من الأسلحة والذخائر.
وبحسب ما هو معلن٬ تجاوز حجم الدعم العسكري الذي قدمته أمريكا لـ”إسرائيل” منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى أغسطس 2024 كمساعدات وصفقات عسكرية ما مجموعه 45.7 مليار دولار أمريكي٬ تضمنت هذه المساعدات الأسلحة الثقيلة، والذخائر الذكية، والطائرات الحربية.
علاوة على ذلك، عززت أمريكا الدعم الاستخباراتي والتقني بشكل كبير لدولة الاحتلال٬ حتى أصبحت أعينها التي ترى تبصر بها٬ وسمعها الذي تسمع به٬ ويدها التي تبطش بها٬ بعدما كانت “إسرائيل” عمياء وصماء ومكسورة ذليلة يوم السابع من أكتوبر٬ حيث قام الأمريكيون بتقديم معلومات استخباراتية على مدار 23/7 حول تحركات فصائل المقاومة وقادتها٬ وتوجيه الضربات الإسرائيلية بناءًا على هذه المعلومات التي عدتها دولة الاحتلال في أكثر من مناسبة بأنها “لا تقدر بثمن”.
وفي هذه المعركة الكبرى التي ضربت مفهوم البقاء لدى دولة الاحتلال وهددت وجودها٬ حركت الولايات المتحدة قطعاً بحرية وحاملات طائرات نحو الشرق الأوسط٬ وهو ما لم تفعله من قبل مع أي حليف لها٬ وفتح البنتاغون الأمريكي المخازن الاستراتيجية للأسلحة التي تملكها في “إسرائيل” بلا رقيب ولا حسيب على مصراعيه٬ حيث خاضت دولة الاحتلال حربها الفتاكة بالكامل ضد صدورنا العارية بواسطة باقات متعددة من الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية المتقدمة.
فكيف كانت لإسرائيل المرعوبة والتي تعجز عن الوقوف على قدميها لوحدها٬ أن تقتل هنا وتدمر هناك وتغتال هنا وتجتاح هناك بدون طائرات F-35 أو F-15 وF-16 التي تحمل القنابل الخارقة للتحصينات٬ وذخائر صواريخ JDAM التي تحيل القنابل “الغبية” إلى “ذكية” وقنابل GBU بمختلف أنواعها٬ وهي المخصصة لاختراق وتدمير التحصينات الخراسانية شديدة المناعة٬ لكن دولة الإرهاب الصهيونية كانت تستخدمها لقصف بيوت الصفيح في خانيونس والنصيرات ورفح وغيرها؟
وكيف لـ”إسرائيل” أن تحمي سمائها وهواءها وقواعدها العسكرية وسكانها من المستعمرين من صواريخ المقاومة التي تأتيها من كل حدب وصوب بدون منظومات الدفاع الأمريكية المختلفة مثل “باتريوت” و”ثاد” و”أرو”؟ وحتى تلك التي تقول دولة الاحتلال إنها من صناعتها مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” لم تكن بدون شركات الصناعات العسكرية الأمريكية٬ وبدون التمويل والتطوير الأمريكي.
وكيف لدولة الاحتلال التجسس والتعقب واستباق خصومها خطوة في بعض الأحيان٬ بدون أنظمة الحرب الإلكترونية التي تقدمها أمريكا؟ كيف لها امتلاك تكنولوجيا متقدمة في مجال الحرب السيبرانية والتشويش الإلكتروني وتحليل البيانات والمراقبة الجوية والفضائية، والحصول على معلومات استخباراتية دقيقة بشكل سريع وتحليلها بأنظمة ذكاء صناعي فائقة٬ بدون الدعم الأمريكي الذي لا يتوقف؟
“إسرائيل”٬ هذا النمر من ورق الذي انهار يوم السابع من أكتوبر٬ وينهار تحت كل يوم ضربات جنوب لبنان وصنعاء وغيرها٬ لا تساوي شيئاً بدون الدعم الأمريكي٬ ولكم يكن يوماً لدولة الاحتلال أن تتفوق عسكرياً على جيوش العرب أو أي من خصومها بدون الحرص الأمريكي على ذلك٬ لكن هذه القوة المتغطرسة الظاهرة تخفي وراءها مشروعاً مهزوزاً من الداخل يعاني من الثقة بالنفس بسبب الاعتماد الكامل وفي ضائقة على راعيه الأمريكي٬ مشروع هش يعاني كل يوم من عقدة البقاء٬ ومصيره الحتمي هو الفناء٬ كحال كل المستعمرين المارقين.