مدونات
الكاتب: عادل العوفي
“اليهودي الوظيفي، مسلم يصلي معنا العشاء في المسجد لكنه يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الجنرال اليهودي، وعليه يجب تحليل تلك الظاهرة حتى لا يتحول كثير منا إلى يهود دون أن يدروا” .. قالها الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري قبل 25 عاما في إحدى محاضراته القيمة. وها نحن اليوم بلغنا تلك المرحلة التي حذرنا منها بكل بشاعتها وفظاعاتها وتكفي جولة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي كي نخرج بخلاصات مريرة لوضعنا المأساوي الحالي وأن “اليهودي الوظيفي ” تسلل وتوغل واخترق كل التحصينات ويصلي معنا في المساجد و يجاورنا في المقاهي و المواصلات العامة والحدائق والجامعات والمعاهد ويشدو بجوارنا في المدرجات، وربما يردد معنا على مضض طبعا أغنية رجاوي فلسطيني، ويعرف أدق التفاصيل ويضرب على الوتر الحساس حينما تكون الضرورة تستدعي “دموع التماسيح “، طبعا فهو يتألم لمصابنا ويرثي حال اطفالنا ممن تنطبق عليهم “المواصفات المطلوبة ” بالطبع والذين يخدمون ما يرمي اليه ويساعده على الوصول لما يصبو له.
أتذكر أنني قبل ست سنوات تابعت على شبكة ” البي بي سي ” وثائقيا مهما حول ما أسمته “تسميم الوسوم” من خلال استعانة دول بروبوتات دعائية تظهر وكأنها أشخاص حقيقيون لكنها في الواقع ليست سوى “برامج حاسوبية ” تستغل السوشيال ميديا لنشر دعاية معينة وتحريف “الوسوم” كي تتخذ مسارات أخرى تخدم توجه تلك الجهات وتتجاوز عدد التغريدات 100 ألف يوميا من أجل بلوغ غايتها ومحاربة من ينشر معلومات وحقائق تناقض أهداف تلك الحكومات والدول.
في اليومين الماضيين و “الغزوات” الالكترونية على أشدها وهي تكشف وجهنا القبيح وأننا حقا نقف أمام مفترق طرق مصيري بعد أن انقلبت المفاهيم واهتزت القيم والمبادئ ؛ اجتاحت مخيلتي عشرات الأسئلة من قبيل : هل ما أصبحنا نعاينه من تفسخ أخلاقي وانحطاط مخزي نتيجة ذلك حقا أي “تسميم الوسوم” والتلاعب بنا وإثارة النعرات الطائفية كي يستكمل الكيان الصهيوني خططه المحكمة ونفث سمومه التي تشمل كل المجالات؟ و هل مازال مجديا إلقاء كل المسؤولية على هذه النقطة لوحدها وأننا مخترقين الكترونيا وفرضية “الطرف الثالث ” حاضرة بثقلها وخبثها ومكرها وخستها المعهودة ؟ وهنا الداء ومربط الفرس فقط ؟ المؤكد أن الكيان الغاصب نجح في مخططاته ونحن بلعنا الطعم عن “طيب خاطر” وهذه حقيقة واضحة وضوح الشمس لا جدال حولها؛ لكنها لا تتحمل وزر واقعنا المزري اليوم وحدها والدليل أن قطاعا لا يستهان به ممن نعرفهم على أرض الواقع باتوا يرددون و يتبنون مصطلحات ومفردات لا تختلف إطلاقا مع ما يكرره حثالة الكيان ليل نهار على الشاشات؛ وهنا الطامة الكبرى التي صار لزاما التوقف عندها مليا لإصلاح ما يمكن إصلاحه لأن “تغلغل” الخطاب الصهيوني تحول لتنين جارح يلقي بنيرانه صوب كل الجهات ويقتحم أكثرها خطورة وحساسية.
وهنا سنسرد مثالين حيين على ذلك؛ الأول مرتبط بصرخة مدوية أطلقها لاعب كرة القدم المغربي حكيم زياش على صفحته الشخصية على الانستغرام مستهجنا الصمت المخزي حول ما يرتكب في واضحة النهار ضد أبناء الشعب الفلسطيني؛ وسرعان ما علقت المشانق واستل البعض الخناجر مهاجمين نجم نادي غلطة سراي التركي الذي من المفترض أنه صدح بالحقيقة التي تمثل رأي جل أطياف الشعب المغربي الذين يجوبون الشوارع ويملأون الساحات معبرين عن وقوفهم التام مع أشقائهم المدافعين عن الأرض والعرض وأقدس مقدسات الأمة، وسنعود لهذا الموضوع بتفاصيل أوفى في مقال خاص به.
والمثال الثاني مازلنا نعيش على وقعه ويتجلى في اغتيال الكيان الصهيوني للأمين العام لحزب الله وما أفرزه من نماذج مخجلة صدرت لنا تحت عناوين فضفاضة و “انسانية ” متهالكة اولها “الانتصار للدم السوري” وأجزم أنها مجرد واجهة خادعة ليس إلا والأخلاق لا تتجزأ ومن يتاجر بالدم اليمني و يغض الطرف عن الفلسطيني لن يكترث للسوري أبدا.
الخلاصة إذن أن “اليهودي الوظيفي” كما أسماه المفكر القدير الدكتور عبد الوهاب المسيري أضحى خطرا محدقا وسيفه مسلط علينا لتغيير الحقائق وتزييفها والدفع بنا نحو الهاوية من خلال النبش في أتون الطائفية المقيت وزرع الفتن واللعب بالمصطلحات والتشكيك في الثوابت والإساءة للقلة القليلة الصامدة الصابرة المدافعة عن أشرف قضية على وجه الأرض ألا وهي قضية فلسطين.