مدونات

واقع المواطن السوداني أثناء الحرب: تحديات وصمود

سبتمبر 29, 2024

واقع المواطن السوداني أثناء الحرب: تحديات وصمود

الكاتبة: أمامة حسن عبدالله

 

مع مطلع كل يوم جديد يضاف إلى أيام الحرب يجد المواطن السوداني نفسه أمام تحديات اقتصادية متزايدة تضيف عبئًا جديدًا على معاناته، فلقد وصل معدل التضخم لما يزيد عن ٢٠٠ ٪ مع مطلع أغسطس من العام ٢٠٢٤ وتضاعفت أسعار السلع والمواد التموينية وارتفعت أسعار البنزين لمستويات غير مسبوقة.

وفي هذا السياق، يتوقع مسؤول من وزارة المالية ارتفاع مؤشر الفقر في البلاد إلى أكثر من 90% خاصةً بعد فقدان الموظفين والعمال وظائفهم، وعدم قدرة الدولة على دفع مستحقات موظفيها. ومما يزيد من معاناة المواطنين توقف ما لا يقل عن ألف منشأة اقتصادية كانت تعمل داخل الخرطوم جميعها يعمل في مجال التجارة، الصناعة، الأدوية، والغذاء بسبب تدميرها جزئيًا أو كليًا. هذا التوقف أدى إلى نقص حاد في المنتجات الأساسية من سلع ضرورية وأدوية ومنتجات غذائية كان يتم تصنيعها محليًا، مما أثر على السوق المحلي وأحدث أزمات اقتصادية واجتماعية.

بالإضافة لذلك فقد تأثرت صادرات البلاد مع إغلاق مطار الخرطوم والتوترات الحدودية مع دول الجوار، مما أدى إلى تراجع عائدات البلاد من العملة الصعبة، فكيف تعامل المواطن السوداني مع كل هذه التغييرات الجذرية؟ تغير الواقع الذي اعتاده المواطن تغيرًا دراماتيكيًا، ذلك الواقع الذي لم يكن سهلًا وميسرًا قبل بدء الحرب لكنه صار أصعب وأكثر تعقيدًا بعدها. ومثلما يحدث في كل الحروب وجد المواطن البسيط نفسه قد فقد بيته وعمله والأمن الذي كان يحيط به، لينقسم الناس لقسمين: قسم فضل البقاء في بيته حاميًا له ومحافظًا عليه وصابرًا منتظرًا نهاية الحرب، وقسم أخر فضّل الرحيل بنفسه وأهله وما تبقى من ماله ناشدًا الأمن المفقود.

لهذه الظروف تكونت طبقة جديدة من المواطنين كانوا من قبل أصحاب مهن وأعمال حرة ووظائف، كانوا يمتلكون قوت يومهم ويعيشون في بيوت خاصة بهم ويمتلكون ما يغنيهم عن السؤال، وعندما حلت الحرب فقدوا كل ذلك وفرض عليهم واقع جديد قاد جزءا منهم للنزوح لمناطق أخرى من البلاد، فأضطر الكثيرون منهم للاستقرار في المدارس ومخيمات النزوح وآخرون تم استقبالهم في بيوت أقربائهم، وفجأة أصبحت ولايات السودان المختلفة مكتظة بالنازحين وتزايد بسبب ذلك الطلب على المسكن والملبس المأكل والمشرب، وسط أزمات اقتصادية متتابعة تعصف بالاقتصاد السوداني.

 لكن ذلك المواطن البسيط الذي فقد لمرة كل ما يمتلك لم يستسلم وفضل البدء من جديد ليعيل نفسه وأهله. فشهدت ولايات السودان المتفرقة خلال أشهر الحرب ال17 المستمرة ما يمكن تسميته بانتعاش كان أحد أسبابه النازحون الذين جلبوا معهم خبراتهم باستغلال الموارد غير المستغلة وإنشاء طرق تجارية جديدة، فتحولت الأزمات وقلة المنتجات لوفرة حينما تحولت بيوت المواطنين لمصانع ومعامل صغيرة توفر المنتجات من سلع ضرورية، وتوفرت أيدي عامله ماهرة ساهمت في ازدهار النشاط التجاري وفتحت مجالات عدة لم تكن متوفرة من قبل في العديد من الولايات.

 كما استفاد سكان الولايات والنازحون بانتقال عدد كبير من مصانع الأدوية والصلب والأغذية المصنعة لولايات أكثر أمنًا لتتابع الإنتاج رغم ظروف الحرب المحيطة، كذلك أحدث نزوح الأطباء المهرة من العاصمة إلى الولايات أثرًا طيبًا للمرضى الباحثين عن العلاج والمتأثرين بالحرب الدائرة في الخرطوم والتي تسببت ميليشيا الدعم السريع خلالها بإيقاف أغلب المستشفيات التي كان يتم السفر من أجل العلاج فيها. لتتحول المستشفيات التي كانت تعاني من عجز في عدد الأطباء لقبلة تستقبل كل الحالات والعمليات التي كانت مستعصية تتطلب من مرضاها السفر للعاصمة والمدن الكبرى في الولايات، وتنفرج بسبب ذلك أزمات كانت تهدد حياة المرضى وتودي بها حينما لا يتوفر العلاج المناسب.

 في الجهة الأخرى وداخل المدن المحتلة والمحاطة بالحرب، يعتمد الأهالي على التحويلات البنكية القادمة من أقاربهم ومعارفهم خارج نطاق الحرب، وقد شهدت تلك المناطق إيثارًا من تجارٍ قدموا ما تحويه متاجرهم من منتجات بمختلف أنواعها للأهالي دون مقابل، ليتشارك الأهالي طعامهم وشرابهم مؤثرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه.

 وقد عادت التكايا والمطابخ الشعبية للظهور داخل الأحياء والمناطق المحاصرة – من قِبل ميليشيا الدعم السريع – وتكون التكايا مبادراتٍ اجتماعية تزدهر خلال الأزمات والنكبات فتتكاتف الجهود لتوفير الوجبات الثلاثة اليومية في مثال حي للتضامن خلال الأوقات الصعبة.

 يعمل الأهالي ليل نهار في التكايا بجهود مدنية خالصة ومعتمدين على المساهمات الشعبية والتحاويل المالية من أهاليهم وأقاربهم خارج نطاق الحرب ومن المنظمات المدنية المحلية، ليتواجد في الخرطوم وحدها ما يريد عن ٤٥٠ تكية ومطبخ شعبي حسب إحصائيات غرفة طوارئ ولاية الخرطوم.وتواجه التكايا نفس المشاكل التي تواجه المواطنين في كل ربوع البلاد، حيث أدى التداعي المستمر لقيمة العملة المحلية أمام الدولار مع انخفاض الصادر وتزايد الوارد لتغطية الناقص من الحاجيات الأساسية من أدوية ومواد غذائية، ذلك بالإضافة لفشل المواسم الزراعية في الولايات المتأثرة بالحرب لنقصان التمويل وسرقة المعدات والأليات الزراعية وكذا سرقة المحاصيل من قِبل أفراد الميليشيا، أدى كل ذلك إلى تهديد استمرار عمل التكايا أحد المصادر المهمة للغذاء لأهالي المناطق المحاصرة، ولتهديد الأمن الغذائي والصحي للمواطنين في كل مناطق البلاد. وبينما تستمر الحرب وأثارها مع عدم ظهور أي حلول في الأفق يجد المواطن نفسه مضطرًا لأن يتوافق ويتعايش مع التحديات التي تعصف به، ليكون الصمود والتضامن الاجتماعي هما مفتاحا النهوض مجددًا، وليبقى الأمل بالله هو ما يحرك الشعب السوداني نحو غدٍ أفضل.

 
شارك

مقالات ذات صلة