أكره الحرب. وأحب المقاومة.
أنا التي تناصر المقاومة أتمنى أن تنتهي الحروب من العالم. كنسوية، أكره الحروب التي تقوم بها المنظومات الذكورية، لتدمر الكوكب، تدمرنا كنساء، تدمر أطفالنا، وتدمر رجالنا ومجتمعاتنا معهم.
كمثالية وحالمة، لا طالما حلمت بالانضمام لمعسكر ال pacifism، الذي يأبى الحرب مهما كان الثمن.يحزنني حال العالم، الذي يمجد الحرب، ويحتقر السلام. فنحن نمجدها بأغان ونياشين واحتفالات ونصب تذكارية، بيمنا نخفي معاناة الضحايا ليصبحوا هم بآلامهم طي النسيان.
حتى الجنود التي يفترض أن نمجدهم، قرأت أن العمليات التجميلية بدأت لترميم وجوههم التي تهشمت في الحرب، وكانت تخبئهم مؤسساتهم العسكرية. فالشعوب تريد أن ترى الجندي الطويل الوسيم الشامخ، وليس جنديا منكسرا قد تشوه وجهه!
وإلى اليوم، في الولايات المتحدة، التي ينتعش اقتصادها من الحروب وشركات السلاح، فإن الجنود القائمين على الحروب يعانون من التشرد في الشوارع وعدم وجود المساكن لهم بعد تقاعدهم أو تسريحهم من الجيش، خصيصا إثر التروما التي يعانون منها من هول ما رأوه.
أكره الحروب بين دولنا العربية، أو دول “الشرق الأوسط”، والحروب الأهلية التي فرضها الديكتاتوريين علينا ببطشهم، بداية من حربي الخليج، للحرب الأهلية في لبنان، لحروب ما بعد الربيع العربي التي ما قامت لولا بطش الديكتاتوريين الذين لم تكن السياسة أو التنازل أو التقاسم أو المفاوضة في مصلحتهم.
لا أرى التفاوض بيننا في المنطقة خنوعا، ولا تقديم التنازلات بيننا خيانة. فدم شعوبنا هو الأغلى والأثمن. لوكان الأمر بيدي لتجنبت كل تلك الحروب، ولأجبرت الأطراف المختلفة على تقديم التنازلات. فلا أجمل من طاولة التفاوض، التي تحقن الدماء، وتترك فرصة للنمو والتطور والازدهار.
لكن هناك حرب واحدة، فرضت علينا. شئنا أم أبينا. لم نجلبها لأنفسنا. لا بسلمنا ولا بمقاومتنا. حرب فرضها علينا المستعمر حينما وعد بتسليم قلبنا النابض -فلسطين- لأناس دخيلة على منطقتنا، ليسرقوا الأرض و”يطهروها” من سكانها ويحلوا محلها. فبنكبة فلسطيننا نكبت عروبتنا.
وبعدما كانت كتبنا “تكتب في القاهرة وتنشر في بيروت وتقرأ في يافا”، لم تعد يافا، ولم تعد القاهرة تكتب الكتب، ولم تعد بيروت قادرة على نشرها.
الحرب الاستيطانية على فلسطين هي حرب علينا جميعا. بالنتيجة المباشرة، لم تنج مصر أو سوريا أو لبنان من الحرب مع الكيان الصهيوني، ومن سرقة أراضيهم.
وبالنتيجة غير المباشرة، لا طالما برر الديكتاتوريين العرب قمعهم للحريات وسجنهم للنشطاء وإغلاقهم للصحف وحتى ذبح شعوبهم بحجة التصدي لإسرائيل والمؤامرات التي تنسجها هي والقوى الاستعمارية ضدنا، حتى أضاعوا أوطاننا وسفكوا دماءنا بمئات الألاف. فأصبح الأمل الوحيد في منطقتنا التي بها أعرق حضارات العالم هو النجاة من قوارب الهجرة الشرعية.
فبالخضوع للكيان الصهيوني، كلنا ضحايا. من قتل منا ومن بقي. فمن قتل فلتتغمده الرحلة الإلهية. أما من بقي، فيبقى منهزما يفتش عن معنى أو مخرج.
نعم، قد نخسر تلك الحرب. ولكن، إن خسرنا، نعلم أننا خسرنا وقد حاولنا. والمحاولة وحدها نجاح. وفي الغالب، إن اجتمعت دولنا، فالفوز لنا. فأكبر منظومات العالم ظلما قد هزمت. من العبودية إلى الاستعمار. فلماذا لا يهزم الكيان الصهيوني، رمز الشر والظلم في الوقت المعاصر؟!