مدونات

الجانب الخفي للسياحة في الجزائر

سبتمبر 21, 2024

الجانب الخفي للسياحة في الجزائر

الكاتبة: جيهان قوسم

مدونة وصحفية جزائرية


لا يختلف اثنان في أن الجزائر تعدّ واحدة من الوجهات السياحية الفريدة التي تجمع بين التنوع الثقافي، التاريخي، والطبيعي. بفضل مساحتها الشاسعة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي. تمتلك الجزائر مزيجاً فريداً من المناظر الطبيعية الخلابة، المواقع الأثرية، والثقافة الغنية التي تجعل منها وجهة مثالية للمسافرين من جميع أنحاء العالم.


عند زيارة الجزائر، يمكن للسائح أن يستمتع بجمال البحر الأبيض المتوسط بشواطئه الرملية النقية و مياهه الزرقاء الصافية الممتدة عبر الآفاق..


تعتبر المدن الساحلية مثل الجزائر العاصمة، وهران، وعنابة وبجايةً ومستغانم وتيبازة وجهات مميزة للاستمتاع بالأنشطة البحرية، المأكولات البحرية الطازجة، والاسترخاء تحت أشعة الشمس الدافئة.


لعبق التاريخ، تقدم الجزائر مواقع أثرية مذهلة تعود إلى حضارات قديمة متنوعة، وهي من المواقع المعترف بها من اليونيسكو ضمن التراث العالمي.


ففي تيبازة، يمكن للزوار استكشاف الآثار الرومانية البديعة، بينما تأخذهم رحلتهم نحو تيمقاد إلى عالم من البهجة المعمارية ذات النمط الروماني المحفوظ بدقة لا متناهية. كما أنه لا يمكن أيضاً تفويت زيارة قلعة بني حماد، التي تعتبر واحدة من أقدم وأهم المواقع الإسلامية في شمال إفريقيا.


الجزائر ليست فقط ساحةً واسعةً و منارةً عالية للتاريخ، بل إنها تتمتع أيضاً بتنوع طبيعي لا مثيل له من الصحارَى الشاسعة إلى الهضاب العليا، إلى الجبال الشاهقة المهيبة. تتنوع المناظر الطبيعية في الجزائر لتلبي جميع الأذواق. يمكن لمحبي المغامرة استكشاف الصحراء الكبرى، والاستمتاع برحلات السفاري الصحراوية التي تقدم مشاهد رائعة للكثبان الرملية الذهبية والسماء المرصعة بالنجوم و أنفاس الغابرين.


أما في شمال البلاد، فتوفر جبال الأوراس والأطلس مناطق مثالية لمحبي المشي لمسافات طويلة وتسلق الجبال، مع مناظر طبيعية خلابة تتيح للسائح فرصة استنشاق الهواء النقي والتمتع بالهدوء.


الثقافة الجزائرية الغنية تتجلى في تقاليدها، و فنونها، ومأكولاتها، و يمكن للزائر اكتشافَ الحرفِ التقليدية مثل النسيج والفخار، والاستمتاع بالموسيقى الفولكلورية والرقصات التقليدية التي تعبر عن التراث العريق للبلاد. ولا يمكن إغفال تجربة المأكولات الجزائرية الشهية، التي تتنوع بين الطاجين، الكسكس، والبوصلوع النائلي و الشخشوخة البسكرية و الزفيطي البوسعيدي والمأكولات البحرية الطازجة في الشمال الممتد على مدى امتداد الساحل من الشرق إلى الغرب .


في قلب الجزائر، هناك مواقع ثقافية يجب زيارتها.. مواقع، تكاد تكون منسية.. هي أشياء لا يعرفها إلاّ كهنة معبد الثقافة. هناك مغارة الإسباني ميغال دي سيرفانتيس، صاحب رائعة “دونكيشوت”، حيث قضى سنوات مختفياً عن الأنظار، يترقب لحظة وصول سفينة إسبانية، فيهرب إلى موطنه بعد أن قضى أعوامًا في زنزانة بالجزائر. لم يكن مجرد ساردٍ متفرد، بل كان محاربًا صليبيًا، عاد من القدس بذراع واحدة، تاركًا ذراعه الأخرى في إحدى تلال فلسطين. وهناك خلوة عبقري علم العمران عبد الرحمن بن خلدون في تاوغزوت القريبة من فرندة بتيهرت، حيث يكون السؤال كيف خرجت المقدمة الشهيرة من هذه الحفرة الصخرية، وغير بعيد عنها أوصى المستشرق جاك بيرك بأن يُحفظ إرثه من كتب ومخطوطات في مكتبة تحمل اسمه في بلدة فرندة التي أحبها وتعلق بها.


وعلى مسافة منهما، تبرز أهرامات الأجدار الثلاثة عشرة التي هي مدافن فينيقية بربرية قديمة، رباعية القاعدة شُيّدت على تلال توسنتينة. دون أن ننسى زيتونة القديس أوغستين بسوق أهراس، حيث قضى جانبًا من عمره في ظلها يتأمل ليكتب “مدينة الله”، وجنوبا في تبسة توجد كنيسة القديسة مونيكا المرأة التي قضت عمرها تصلي ليكون ابنها صالحًا بعد شباب قضاه منحرفًا، وحين تخلى عن طيشه، اكتشف الناس أنه أكثر من جدد في المسيحية، إنه القديس أوغستين. وفي تخوم تبسة وُجدت أول معصرة للزيتون في التاريخ بالمكان المسمى برزغان. ويمكن زيارة مدينة مداوروش حيث وُلد أول روائي في التاريخ، المفوّه صاحب المرافعات، لوكيوس أبوليوس، الذي ترك إرثًا لا يُجارى، كتاب “الأزاهير والحمار الذهبي”.


أما منطقة سيدي خالد، القريبة من بسكرة، فتذكر كتب الأثر أن النبي خالد بن سنان العبسي هو دفين تلك الأرض، ويقولون إنه نبي ضيعه قومه، ظهر بين بعثة عيسى ومحمد عليهما السلام، وتذكر عديد المصادر لقد نازعنا فيه آخرون في بلاد المشرق. مع ضرورة المرور على منطقة زكار بالجلفة حيث تنتشر آثار القرى الرومانية البائدة والرسوم الحجرية الموغلة في عمق التاريخ ..


أما فيما يتصل بالموروث الشعبي، ففي سيدي خالد توجد أرقّ قصة حب جمعت بين حيزية وابن عمها سعيّد التي تتغنى بها القلوب “عزوني يا ملاح..”، مع أهمية زيارة قبر الفاتح عقبة بن نافع غير بعيدٍ عن بسكرة حيث مُجمّعهُ الديني الكبير، مع أخذ نصيب من بلحها ودقلة نورها.


وفي تلمسان يوجد ضريح العالم الصوفي سيدي أبي مدين الغوث الذي حارب الصليبيين إلى جانب صلاح الدين، وعاد بذراع واحدة هو كذلك، بينما دفنت الأخرى بتلك الأرض المباركة، بعد أن ترك وراءه بابًا للمغاربة الجزائريين بالقدس، شاهدًا على جهاده ومن كانوا معه. وغير بعيدٍ عنه في منطقة سيدي يوشع في تلمسان، يمكن الوقوف على قبر النبي يوشع بن نون الذي ارتبط اسمه بكليم الله موسى، وهو أصيل تلك الأرض كما جاء في عديد الروايات.

 أما في بوسمغون بالبيض فتوجد خلوة سيدي أحمد التيجاني مؤسس التيجانية التي تعتبر أشهر طريقة صوفية في العالم، حيث قضى الرجل الصوفي الصالح أكثر من عشرين عامًا متعبداً، يحتكم إليه الناس في شؤون دينهم ودنياهم. دون أن أنسى مرقد الكاتبة والمستكشفة إزابيل إيبرهارت بعين الصفراء.. هذه الأيقونة السويسرية التي أسلمت وفتنتها صحراء الجزائر وصارت مأخوذة بمتصوفتها، وقضت في طوفان ولم تبلغ الثلاثين، ليتحول قبرها إلى مزار وكأنها قديسة الصحراء.


وأي رحلة إلى الجزائر لا تكتمل دون الاستمتاع بوجبات وأطباق تقليدية لا تُحسن طبخها إلا الأمهات الجزائريات.


إنها تجربة سياحية لا تُنسى في بلد يمتاز بتاريخه العريق وثقافته الغنية وتنوعه الطبيعي الخلاب. الجزائر وجهة سياحية متكاملة تجمع بين جمال الطبيعة، غنى التاريخ، ودفء الثقافة، تأسر حواسك وتأخذك في رحلة عبر الزمن والطبيعة.


شارك

مقالات ذات صلة