فنون

حول تلك اللحظة التي تقودنا إلى الجنون: Wild Tales

سبتمبر 21, 2024

حول تلك اللحظة التي تقودنا إلى الجنون: Wild Tales

فيلم “Wild Tales” أو “حكايات جامحة” هو واحد من أجمل وأغرب الأفلام الأجنبية التي شاهدتها على الإطلاق، فقد كان رائعًا ومبتكرًا. إنّه فيلم أرجنتيني بإنتاج مشترك مع أسبانيا وفرنسا وبريطانيا، للمخرج “ديميان شيفرون”، الذي قام أيضًا بكتابة النص السينمائي مع زميليه “جوليان ليولا” و”جيرمان سيرفديو”، وقد شارك في إنتاجه الكاتب والمخرج الأسباني الكبير “بيدرو ألمودوفار” وشقيقه “أغوستين ألمودوفار”. ترشّح الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في عام 2014، ومن المؤسف أنّه لم يفز بالجائزة وهو الأحق بها من بين الأفلام المرشّحة الأخرى بكل تأكيد.


الشعور بالضعف والخطر ما قبل تغيّر الواقع وانقلابه ليكون غير متوقع يدفع الشخصيات لعبور الخط الرفيع ما بين كونهم متحضّرين وأن يكونوا في فوضى ووحشية. تدور أحداث الفيلم عن الخداع في الحب، والحنين إلى الماضي، ودراما الحياة، وحتى عن العنف الموجود في جميع تفاصيل اليوم. كل هذا يدفع الشخصيات إلى الهاوية، مصحوبًا بشعورهم باللذة في فقدهم للسيطرة.


الفيلم هو حول تلك اللحظة التي تقودنا إلى الجنون إنْ تمّ ضغط الزر الصحيح فينا. إنّه عبارة عن كوميديا سوداء بالمعنى الحرفي، وقد دُهشت لآخر حد منذ لحظة انتهاء الحكاية الأولى، ويجب أن أشيد بجهود المبدع “ديميان شيفرون” في بناء هيكل الفيلم بشكلٍ غريب ومختلف عن المعتاد، وخاصّةً الحكاية الأولى الافتتاحية التي جعلتني أدرك أنّ أي شيء يمكن أن يحدث في الحكايات القادمة، و”ديميان شيفرون” ليس خائفًا من السير بحكاياته إلى نهايات مروّعة.


لا يوجد أي إطار يربط بين حكايات الفيلم الستّة، وليس هناك أيّة عناوين خاصة بالحكايات للفصل بينهم، ومع ذلك، الفيلم منظّم بشكل دقيق ومذهل، والأمر واضح جدًّا حين تصل كل حكاية إلى نهايتها، ومن ثم ننتقل للحكاية التالية.


مدّة الفيلم تقارب ساعتين، و”ديميان شيفرون” جعلنا نعيش الكثير من الأحداث في كل حكاية، ولكننا لم نشعر بالعجلة والتسارع. لا يبدو “ديميان شيفرون” مهتمًّا ما إذا كانت ردود أفعال الشخصيات المختلفة التي نراها صحيحة أو خاطئة، ولكنّه فقط يحفر بعمق في النفس البشرية ليرينا بالتحديد ما الذي يجعلنا نفقد السيطرة، وكيف أنّه من السهل لأيّ منّا أن نكون مدفوعين لهذه النقطة تحت ظروف معيّنة.


ميزانية إنتاج الفيلم كانت في نحو 3 ملايين دولار فقط، وتُعَدُّ قليلة جدًّا، ولكن الفيلم حقّق نجاحًا هائلًا بإيرادات أكثر من 31 مليون دولار في سينمات العالم، كما نال إعجاب النقّاد والجماهير. شارك في التمثيل نخبة من الممثلين الأرجنتينيين المبدعين، وأبرزهم: “داريو غاردينيتي” و”ريكاردو دارين” و”أوسكار مارتينيز” و”إيريكا ريفاس” و”جيرمان دي سيلفا” و”ليوناردو سباراليا” و”ريتا كورتيز” و”دييغو جينتيل” و”أوسمار نونيز” و”ماريا أونيتو” و”والتر دونادو” و”دييغو فيلاكويز”.


أداء الممثلين جميل جدًّا، والموسيقى التصويرية لـ “غوستافو سانتولاجا” كانت منسجمة مع الأحداث، كما أنّ التصوير مميّز، وكذلك الجوانب الفنية الأخرى. بتتابع الحكايات، مع مزيج مستمر من الدراما والكوميديا السوداء والإثارة والتشويق، يصل الفيلم إلى أنّ كل شخص في هذا العالم يبحث عن منفذ لتفريغ غضبه، وفي كثير من الحالات يلجأ إلى مخيّلته لتحقيق ذلك.


الفيلم نابع من غضب حقيقي يكسو شعبٍ مكسور. إنّه لأمرٌ نادر أن نشاهد فيلمًا يُصاغ بهذه الطريقة النادرة والمبتكرة التي تجعله كوميديًّا بامتياز ومأساويًّا بشكل عميق.


شارك