سياسة

أطفال فلسطين: ليسوا ثمن المقاومة و التحرير، بل هم ثمن الاحتلال

سبتمبر 18, 2024

أطفال فلسطين: ليسوا ثمن المقاومة و التحرير، بل هم ثمن الاحتلال


“أضرار جانبية”.. “ثمن ضروري”.. “ثمن حزين”.. هكذا كانت تصف الولايات المتحدة ثمن مئات آلاف القتلى المدنيين في العراق وأفغانستان، وهكذا أيضاّ يصف العدو الصهيوني الأكثر من اثني عشرة ألف طفل وطفلة الذين قتلهم في غزة في أقل من عام، ومعه القوى الاستعمارية.  الأنكى من ذلك أنه بعدها ثم تقوم تلك القوى بلوم المقاومة على قتلهم، أي أنهم يلومون الفلسطيني على قتل نفسه وقتل أبنائه وبناته!


من المؤسف أكثر من ذلك، أن الصديق أيضا كثيرا ما بات يردد سردية العدو، ويلوم المقاومة أنها لم تستسلم وتنقذ الأطفال، أو أنها قاومت من الأساس.


لكن لوم الضحية ليس إلا إفلاساَ، تبريراَ للمعتدي ومؤازرة له، وتبريراَ للخذلان.  فمنذ متى تلام الضحية على موتها؟ أو على مقاومتها لقتلها؟ منذ متى تكون المقاومة هي سبب الموت/القتل، وليس الإعتداء؟ ومنذ متى كانت المقاومة منفصلة عن الشعب، وعن الأبناء والبنات الذين يقتلون؟ 


هذه مصيدة وفخ يستخدمه وينتفع منه الصهيوني في سرديته وعلى الأصدقاء على الأقل أن لا يقعوا به!والحقيقة أني أرى سردية أخرى تؤلم أشد الألم وأرفضها تماما. أراها ترخص دماء أطفالنا كما ترخصها سردية العدو. تارة تقدم دم الأطفال كثمنا  بإسم التحرير وأخرى باسم الدين. “فدى الأقصى” أو “فدى القضية”، يقولون.


ورغم أن موقفي ليس من منطلق ديني او إسلامي، بل من منطلق إنساني، إلا أن رأيي لا يخالف الشرع، بل يتطابق معه. فالحديث “لأن تهدم الكعبة حجر حجر أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم” فيه أسمى المعاني. أن حياة المرء، ما بالك إن كان طفلا أو طفلة، أقيم مائة مرة من أي حجر مقدس! 


فدماء الأطفال ليست فداء المقاومة ولا فداء الأرض ولا فداء المقدسات. والأطفال ليسوا ثمنا لأي منهم. دماء الأطفال هي ثمن الاحتلال، يريقه الاحتلال، ويفرضه الاحتلال ويسأل عنه الاحتلال. ليست المقاومة سوى أطفالا كبروا ثاروا وتمردوا على سرقة أراضيهم، طفولتهم، وأصدقاء طفولتهم، عن إخوانهم وأخواتهم وآبائهم وأمهاتهم الذين قتلهم الاحتلال. ليست سوى محاولة لحماية ماضيه وتاريخهم، وحاضرهم، ومستقبلهم من الفناء.


ليست المقاومة سوى لإنقاذ أطفال المستقبل من بشاعات الاحتلال وواقعه. وكي يعرف أطفال اليوم أن آبائهم وأمهاتهم بذلوا كل ما بوسعهم للدفاع عنهم، وعن أرضهم، عن مقومات الحياة لديهم. ليست المقاومة إلا محاولة للهروب من التطهير العرقي والقتل المحتم دون ثمن. فإن كان القتل فرضا، فليس عليه أن يكون مجاناَ.


صحيح أني أكتب عن فلسطين بوجه الخصوص والتحديد، لكني في الحقيقة أذكر ثمن دماء أطفالنا وفي مخيلتي دماء أطفالنا التي تسيل أنهارا من اليمن إلى سوريا إلى ليبيا وصولا لفلسطين والسودان، مع الاعتبار لدم الأطفال الذي سال في مصر خصيصا في اعتصام رابعة.

وإن كان القاتل في فلسطين معتد دخيل أجنبي، فالقاتل في بلادنا العربية هو منا. ينطق بلغتنا ويدين بديننا. والمؤسف أنه لا طالما بررت فئة منا قتل فئة أخرى، بشيوخها وشبابها ونسائها وأطفالها. ولكني لا أرى الفئات. لا أرانا إلا ونحن نقتل بعضنا، ونجد مبررا في الطائفية أو الانتماء أو أي شي آخر. وما نحن في آخر المطاف إلا قتلة لأنفسنا، ولأطفالنا.


إني أرى أنه ماهان ثمن دماء أطفالنا عند العدى إلا عندما هنا عند أنفسنا. فإن كنا مستعدين أن ندفع دماءهم ثمنا فداء لقضية، فلماذا سيترددون في إراقة دماء أطفالنا والتباكي عليها كأضرار جانبية؟ دماء أطفالنا في فلسطين وفي كل مكان مقدسة ولا نريقها فداء شيء، ولا ندفعها ثما للتحرير. هي واقع شرس يفرضه العدو ويحاول المقاوم التصدي له بروحه.


شارك

مقالات ذات صلة