مهيَارُ الدَّيْلَمي، هو أبو الحسين مِهيار بن مَرْزَوَيْه، الفارسي الديلمي البغدادي، ولد عام 334 ه وتوفي عام 428ه. والديلمي هي نسبة إلى الديَالمة، الذين هم شعب من شعوب فارس نسبوا إلى منطقتهم (الدّيْلَم) التي تقع في الشمال من بلاد فارس، وفي الجنوب من الديلم تقع منطقة قزوين وهي التي عاش فيها مهيار طفولته.
كان مهيار من أسرة مجوسية، فكان أولَ عمره مجوسيا وكان أبواه مجوسييْن، وعاش في فترة كان فيها العراق وفارس خاضعين للنفوذ البويهي (البويهيون أيضا هم من الديالمة لكنهم مسلمون أما مهيار وأبواه فهم من الديالمة الذي بقُوا على مجوسيتهم).
أكبّ والد مهيار (مَرْزَويه) على تعليم ابنه وتثقيفه، يريد أن يحضره كي يكون جليسا لولاة الأمور في بغداد، ولكي يضمن له مستقبله في دولة لا ميزة فيها لغير المتعلم. فلجأ به إلى بغداد وفرض عليه ملازمة المعلمين يتعلم العربية ويتفقه فيها.
كان مهيار ذكيا جدا، فقد استوعب نوادر اللغة وتبحر فيها. وزاد حبه للعربية بعد اتصالِه بالشريف الرضي حيث تتلمذ عليه ثم أسلم على يده. سعى الشريف الرضي لمهيار في أن يكون كاتبا في ديوان بغداد، فكان له ما أراد.
عندما دخل مهيار الإسلام دخله شيعيا، لأن الشريف الرضي أستاذه كان شيعيا، لذلك صار مهيار شيعيا متعصبا، لكن ذلك لم يمنع أهل السنة من إنصافه والإقرار له بعلو المكانة في الشعر، فقد شهد له بذلك ابن خَلِّكان في وفيات الأعيان، وابن كثير في البداية والنهاية، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وابن الجوزي في المنتظَم، والذهبي في سير الأعلام، وغيرهم من أئمة التراجم والتواريخ الذين شهدوا لمهيار بعلو المكانة في الشعر.
كان مهيار مكثرا في الشعر، فقد ضم ديوانه بأجزائه الأربعة أكثر من 20 ألف بيت. كان مهيار لطيف الشعر، وتميزت قصائده بالمقدمة الغزلية الرقيقة التي يبدأ بها القصيدة قبل أن يدخل في موضوع القصيدة أكان مدحا أم مساجلة أم غير ذلك. ومن ذلك قوله:
تَعُدُّ سني تعجب من وقاري – ولم يجتز مَراحَ العمر عدي
فما للشيب شد علي ركضا – فطوّح بي ولم أبلغ أشُدِّي
مع أن مهيار فارسي بغدادي عاش بين الديلم والعراق، إلا أن هواه كان بدويا يحب أهل البادية ويفضل نساءهم على نساء المُدن، وقل أن تجد له غزلا في غير البدويات، ومن ذلك قوله في تغزله ببدوية متمنعة في خبائها محمية من قومها:
إذا كتمتْه خالفة وخدر – وشى بمكانه المسك النضيح
أسارقه مسارقة، ودون الخلاط به الأسنة والصفيح
ولم أر صادق العينين قبلي أضل فدله شم وريح
لمهيار الديلمي دالية عجيبة، يمدح بها أبا المعالي كمالَ الملك بن الحسين. يستهل فيها استهلالا من أرق ما يكون. ويبين في بدايتها كعادته حبه لأهل البادية الذين يكونون على طريق الحاج من العراق.
المقدمة الغزلية لهذه القصيدة غنية بالمعاني الجميلة، وتستحق أن يحفظها الأطفال فهي معينة لهم في تنمية القريحة والملكة. يقول مهيار في أول هذه القصيدة:
تهوى وأنت محلأ مصدودُ – ماء النقيب وإنه مورودُ
ويُقر عينك والوِصال مصوِّح – غصن يرِف على الحمى ويَميدُ
يقول إن تواصل محبوبته معه مصوح أي يابس منقطع، استعار ذلك من تصويح النبت تقول صوح النبت إذا يبِس، ومن ذلك البيت المعروف:
ولكن البلاد إذا اقشعرت – وصوح نبتها رُعي الهشيمُ
إلى أن يقول مهيار مبينا لك أن حبه لمحبوبته هو من طرف واحد:
ومن الشقاوة حافظ متَجَنَّبٌ – يقضي عليهِ غادر موْدود
قسما ولم أقسم بسكان الحمى – عن ريبة لكنه تأكيد
لهمُ وإن منعوا، مكانُ مطالبي – وهم وإن كرهوا، الذين أريد
أتنسم الأرواح وهي رواكد – منهم وتُجدِب أرضهم فأرودُ
وأكذّب الواشي إليّ بغدرهم – وعلى الحديث دلائل وشهود
فهم الصديق ولا مودة عندهم – وهم الأقارب والمزار بعيد
ثم يقول واصفا المرأة التي سلبته عقله:
وبأيمن العلمين من أبياتهم – ظبي، يصاد الظبي وهو يصيد
لاه، إذا جمع الرجال حلومهم – حل العزائم خصره المعقودُ
وعدَ الوفاء وليس منه فغرني – ومن السراب إذا اغتررت وعود
ثم يقول مفضلا نساء بوادي الحجاز على نساء مدن العراق، ومبينا أن هواه بدوي وذاكرا شوقه إلى زرود وهي موضع تطرقنا لذكره في الموسم السابق لو تذكرون جيدا، فيقول:
ولقد أحن إلى زرود وطينتي من غير ما جُبلت عليه زرودُ
ويشوقني عجَفَ الحجاز وقد ضفا ريف العراق وظله المدود
ويطرب الشادي فلا يهتزني – وينال مني السائق الغرّيدُ
ما ذاك إلا أن أقمار الحمى – أفلاكهن إذا طلعن البيدُ
غزل هذه القصيدة ليس رائقا وحده، فالمدح الذي فيها أيضا من أحسن ما يكون، حيث يقول في مدح آل كمال الملك هذا:
لا يُبعد الله الألى حفِظ العلا – بيتٌ لهم حول النجوم مَشيد
وإذا اقشعر العام أغدق من ندى – أيديهم الوادي ورفَّ العود
إلى أن يقول:
بيت بنو عبد الرحيم طنوبه – وأبوهم ساق له وعمود
فإذا أردت طروقه لملمة – فأبو المعالي بابه المقصودُ
جاراهم فأراك غائب أمسهم – رؤيا الزيادة يومه المشهودُ
إلى أن يقول فيه أيضا:
لا قبل نائله إذا سئل الندى – وعد، ولا قبل اللقاء وعيد
وإذا الخلال الصالحات تكاملت – فهي الشجاعة أو أخوها الجود
أفنى الثراء على الثناء وعلمه – أن الفناء مع الثناء خلود
ولربما بُلي البخيل بموقف – يخزيه فيه ماله المعبود
ثم يقول في موضع آخر من القصيدة:
يا أسرة المجد التي لم تنتبه – عن مثلها الأيام وهي رقود
كُفيَ الزمان العينَ في أعيانكم – إن الزمان عليكمُ محسود
لولاكم نُسي الثناءُ ولم يكن – في الناس لا رفد ولا مرفودُ
ثم يقول مبينا لممدوحه أنه لن يبخل عليه بجميل القول ورائق الشعر فيقول:
فلأجزينك خير ما جازى امرؤ – وجد المقال فقال وهو مجيد
مما يُخال قوافيا ومعانيا – بالسمع وهو قلائد وبرود
عشتم طويلا.