هدنة الأيام السبعة لم تكن سوى مُقدمة للموت الكثير والخوف الكبير والنزوح المتكرر، في تمام الساعة الثالثة فجر يوم الخميس 7/12/2023.. أسمعُ صوتا أعرفه، أحفظه، إنه صوت الدبابات! إنها تقترب، إنها تطلق النيران نحونا!
نعم هذا الصوت أعرفه، أضع الوسادة على وجهي وأحاول التظاهر بأنني مخطئة! لكن الصوت يقترب، هناك حالة من الجنون خارج المنزل، حركة غريبة، نعرفها وتعرفنا، إنهم الآن حولنا، يحاصرون المكان، ويمارسون جنونهم في الضغط على زناد أسلحتهم.
الآن يجب التصديق ووجب التوقف عن التظاهر بالنوم، كلنا نصرخ ونبحث عن أطفالنا، هذا المشهد اللعين أمقته.تجمّعنا كلنا في المنزل ركضنا نحو السلالم توجهنا نحو الطابق الأرضي زحفاً!
احمِ رأسك فالرصاص في كل مكان، نحن الآن عددنا٣٠ في غرفة صغيرة والرجال كلهم تجمعوا تحت السلالم. كلنا ذات الوضعية. تجلس ابنتي تولين بحضني أضع يدي عليها أتمسك بها جيداً حتى نموت معاً.
الآن المشهد بات واضحاً تقدمت الدبابات نحو مستشفى اليمن السعيد في معسكر جباليا الواقع بجانب المنزل الذي نزحنا إليه بعد هروبنا من مجزرة التوبة التي تركت رعباً بداخلي لا أنساه وكيف تمكنا من الهروب تحت النار والقذائف المدفعية!
مشهد تسمع به ضربات قلوبنا والجميع من حولك ينطقون الشهادتين، تبكي حُزنك وخوفك، تبكي عجزك، وأن قلبك ماعاد به مُتسع لمزيد من الخوف.
هذه النهاية إذاً، سنموت هنا، في غرفة لم أرها يوماً، في منزل غريب في مكان وحارة لستُ منها. سأصبح رقما! لن يعرف العالم قصتي لن يعرفوا ابنتي!
أقاوم أفكاري وكل المشاهد التي حضرت في رأسي، لكن صاروخ F16 قصف المنزل الملاصق للغرفة التي نحتمي بها ،صراخنا لحظة وقوع الانفجار ووقوع الحجارة علينا والدخان لفنا، تيقنت تماماً أنها النهاية.
تحسستُ وجه ابنتي، إنها مازالت حيّة، صرخت ولم أعرف كيف دُست على من حولي وتوجهتُ نحو الباب الذي لا أراه، الغبار والدخان في كل المكان، بدأت بالصراخ وأنادي بأسماء أخواتي وأمي، بدأن يخرجنّ الواحدة تلو الأخرى، خرجت أختي تحمل وليدها الذي لم لم يتجاوز عمره الأسبوع تحاول جاهدةً إخراج الغبار من أنفه، لقد نجا “اسماعيل” البطل ضمته أختي واتخذنا القرار بانتظار تراجع الدبابات وعلينا ترك المكان دون النظر خلفنا!
اتخذنا القرار وبحلول الساعة السادسة صباحاً، حملنا حقائبنا وركضنا في الشارع، كان الشارع مدمراً، كل البيوت قد قُصفت! كيف نجونا؟! يا الله كيف لم نمتُ؟!، في البيت الملاصق لنا شهداء وفي كل مكان شهداء، لا وقت لدينا للبكاء،يحرمونك من البكاء حين تريد! يعاملوننا بوحشيتهم، ونعاملهم باليقين أن الله ناصرُ جنده.
علينا الهروب لمكان أخر.. علينا النجاة بأطفالنا وبما تبّقى لنا من حقائب!
مشهد النزوح المتكرر، أحمل حقيبتي، وبجانبي ابنتي تحمل حقيبتها ونمشي بين الناس، نسأل ذات السؤال “وين نروح”، سؤالاً يقسم الظهر، ترى فيه عجز الرجال، والحيرة التي ترتسم على الوجوه، الوجوه شاحبة، نمشي نجرُ أذيال قهرنا وعجزنا، ونردد اللهم إنّا مغلوبون فانتصر.. واللهِ لن نترك البلاد ..واللهِ لن نُهزم!