مدونات

هُنا.. أبسط حقوقنا صارت أحلاما!

سبتمبر 6, 2024

هُنا.. أبسط حقوقنا صارت أحلاما!

الكاتبة: آلاء سليمان أبو عريبان

 

 في بدايةِ الحرب كنا نجلسُ على التلفاز لنعرفَ الأخبار منه ، كانت أغلب الإذاعات لا تتوقف عن نشرِ أخبار القطاع قصفٌ جويٌ في الشمال ويتبعهُ قصفٌ في الوسط، لم تتوقف المدفعية من الضرب في شرق البريج وسواحل خانيونس، لم تهدأ منذُ ساعاتِ الصباح من بوارج الاحتلال هكذا كانت أغلب الأوقات القصف لم يتوقف عن كل القطاع ولا دقيقة، بعد عدة أيام أعلنت شركة الكهرباء عن توقفها تماماً عن العمل، أطفئت الأنوار عن القطاع وأصبحَ النور الموجود بهِ هو نور القمر ونور وجوه الشهداء الذينَ كانوا يتدافعونَ وراء بعضِهم وكأنهم في سباقٍ إلى الجنان.


 مع فجر اليوم الرابعِِ من الحرب كنا جميعاً نياما في الطابق السفلي للمنزل لم نلبث إلا أن سمعنا صوت انفجارٍ قريب جداً أدى إلى تكسير الشبابيك والأبواب وتطاير بعض الحجارة علينا خرجنا من المنزل لنعرفَ مكان هذا القصف لنجدَ إن قنبلة سقطت على بيت جارنا ودمرته بالكامل هو ومن حوله من البيوت كانَ المنزل يبعد عنا حوالي ثلاث بيوت ولكن قصفها كانَ قوياً أدى إلى إصاباتٍ طفيفة على إخوتي وإصابتي كانت في يدي أدت إلى ظهور علامة أبدية وكأنها تذكاراً أهدتهُ الحربُ إليّ للأبد، هذه الصدمة أثرث بي كثيراً لم أبكِ يومها ولكنها لم تفارق خيالي أبداً من هولِ الموقف الذي انتابني.


 يومها لم أعد إلى المنزل وجلستُ فترة طويلة أنامُ خارجَ المنزل خشية أن أعود إليه ويحدث قصف آخر، بعد عدة أسابيع أولى من الحرب عدتُ للمنزل مرة أخرى إلا أنه في تلك الليلة وبنفس المعاد الذي قصف به بيت جارنا الأول قصف بيت جارنا الثاني واستشهدَ أغلب من في البيت ومن نجى منهم جسدياً لم ينجُ نفسياً فمنزلهم الذي كانَ طابقاً واحداً أصبحَ محفوراً في الأرض خمسةَ أمتار على الأقل، انقطعنا عن الأخبار بعد انقطاع شركة الكهرباء عن العمل أصبحنا نذهب للشحن أما في مدارس الإيواء أو في عياداتِ الوكالة والأخبار التي كانت تصلنا ممن كان يحالفهُ الحظ ولديه خلايا الطاقة الشمسية كانت مؤلمة للغاية.


 عندما نزحت إلى بيت أختي المتزوجة قُصفَ بيتٌ محاذ لها أدى لأضرارٍ في منزلها وإصابتها هي وزوجها وأحد أبنائها أيضاً في نفس التوقيت الذي تم استهداف بيت جيراننا وكأنه يتعمد استهداف المنازل في نفس الوقت والناس نيام لينال منهم في أواسطِ أحلامهم لينزعَ منهم الأمل في الحياة.


الحكاية لم تبدأ بعد؛ فأحزان هذا الشعب لا تعد من كثرتها، هذه الحرب كنا نعلم أنها لن تكون مثل باقي الحروب فقد فرضت سيطرتها على الأخضر واليابس لم تترك الحجر إلا وقد دمرته ولم تترك شجراً إلا وقسمته نصفين، تمر الأيام بصعوبتها لا نعرف كيف تمر، لا ماء يروي ظمأنا في هذه الأيام ولا كهرباء تنيرُ لنا لنرى ما تبقى من ملامحنا ولا حتى دواء فقد تحول الدواء إلى داء، والمستشفى الذي آوى آلاف الأطفال والنساء والشيوخ سقط على رؤوسهم حاملاً معه ذكرياتهم وأملهم في هروبهم من الموت ظانينَ أنه لن يقتربَ منهم وهم في داخله.


لم نأكل خبزاً قط في الحرب، هذه الجملة سمعتها كثيراً، في الحرب الحصول على خبز صراع من أجل البقاء لم يعرفه سوى نحنُ، انقطع الأكثرين من الخبز، أصبحنا نحضر قمح الدواب لنحوله إلى دقيق أحمر عبر آلة الرحة وإن لم يتوفر القمح أو الشعير نأكل الطعام دون خبز وإن لم يتوفر الطعام شربنا الماء وحده وحمدنا الله ألفَ مرة على نعمه، نحنُ شعب نقدر نعمة الله فما توفر بين أيدينا نعمةٌ عظيمة.


أنا شخصياً مررتُ بتجربةٍ خاصة مع الماء كنتُ أجلس بجانب صنبور المياه وكأنه صديقي أنظر إليه بالدقيقة عشر مرات وكنت أتحدثُ معه دائماً وأخبره أن يحنَ علينا فالأيام قست علينا والحرب اشتدت وأن لا يكون هو أيضاً علينا، في كل يومين تأتي المياه لمدة ساعة أو ساعتين من يدرك أن يملأ أوعيته بالماء فهو صاحب حظٍ ونصيب، ومن لم يحالفهُ الحظ يبقى حزيناً طوال يومه فلا حياة بدون ماء.


انقطعنا كثيراً عن الماء؛ كان يمر علينا أسبوع أو أسبوعان بدون مياه، كنا ننقل هموما كثيرة ومن أبرزها هم الحصول على مياه للوضوء ومياه الشرب بالرغم من شحها إلا أننا بفضل الله لم نقطع فرضاً ولا ورداً.


أيضاً للكهرباء حكاية في كل حرب تأتي، ثاني أو ثالث أيام الحرب تصدر شركة الكهرباء بياناً بوقفها عن العمل. اعتدنا على توقف الكهرباء وأيضاً لن نراها لأكثر من عام لأن أسلاك الكهرباء في أغلب مناطق القطاع قد قطعت، ونريد لإعادة إعمارها عاما بأكمله، هناك بديل آخر للكهرباء وهو الشموع الذي كنا ننير بها بيوتنا وعندما تذوب نحزن عليها وكأنها فرد من أفراد العائلة وقد رحل، فلا نقود تكفي لشراء شموع أخرى ولا شموع بقيت تباع وتشترى، أبسط متطلبات الحياة صارت أقصى أحلامنا، نخرجُ في النهار لنطمئن على ما تبقى حياً منا وفي الليل تنقلب الشوارع مدينة أشباح لبضعِ ثواني من نيران الصواريخ ثم تعود لسكونها.


المدينة في أيامها العادية لم تكن تنطفئ قبل الساعة الثانية فجراً وأما الشوارع فقد كانت تستأنس بساكنيها والآن معظم ساكنيها رحلوا، ومن بقيّ منهم ظلَ يجمع أحزانه لا يعرف لمن يقدم واجب العزاء فأغلبنا فقد الكثير من عائلته وأصدقائه!


شارك

مقالات ذات صلة